عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٢٣
نسا وهو منسوب إلى طوس والسبب في نسب هؤلاء وعدة من أصحاب الدولة إلى غير كورهم أن منهم من كان مخرجه في كورة فنسب إلى الكورة التي فيها ضياعه ومنهم من ولي بلدا طالت فيه ولايته إياه فنسب إلى ذلك البلد قال أبو مسلم اعتل أبو غانم يعني أباه علة صعبة فتولى علاجه منها الطيفوري المتطبب وكان في أبي غانم حدة شديدة تخرجه إلى قذف أصحابه وإلى الإقدام بالمكروه عليهم فإني لواقف على رأسه وأنا غلام في قبادر زبيرون إذ دخل عليه الطيفوري فجس عرقه ونظر إلى مائه ثم ناجاه بشيء لم أفهمه فقال له كذبت يا ماص بظر أمه فقال له الطيفوري أعض الله أكذبنا بكذا وكذا من أمه فقلت في نفسي ذهبت والله نفس الطيفوري فقال أبو غانم يا ابن الكافرة لقد أقدمت ويلك كيف اجترأت علي بهذا فقال له والله ما احتملت سيدي الهادي قط على لقائي بحرف خشن ولقد كان يقذفني فأرد عليه مثل قوله فيكف احتمل لك وأنت كلب قذفي فحلف لي أبو مسلم أنه رأى أباه ضاحكا باكيا يفهم في بعض أسرة وجهه الضحك وفي بعضها البكاء ثم قال له والله إنك كنت ترد على أمير المؤمنين الهادي القذف الذي كان يقذفك به فقال له الطيفوري اللهم نعم فقال له فأسألك بالله لما أحببت في عرض حميد ما أحببت وقذفته بما شئت من القذف متى قذفتك ثم بكى على الهادي بكاء كثيرا قال يوسف فسألت الطيفوري عما حدثني به أبو مسلم من ذلك فبكى حتى تخوفت عليه الموت مما تداخله من الجزع عند ذكر حميد وقال والله ما عاشرت بعد الهادي أحر نفسا ولا أكرم طبعا ولا أطيب عشرة ولا أشد إنصافا من حميد إلا أنه كان صاحب جيش فكان يظهر ما يجب على أصحاب الجيوش إظهاره فإذا صار مع إخوانه كان كأنه من المنقطعين إليهم لا من المفضلين عليهم قال يوسف وحدثني الطيفوري أنه كان مع حميد الطوسي بقصر ابن هبيرة أيام تغلب صاحبنا على مدينة السلام وما والاها فقدمت عليه جماعة من جبل طيء عليهم رئيس لهم يقدمونه على أنفسهم ويقرون له بالفضل والسؤدد عليهم فأذن له في الدخول عليه في مجلس عام قد احتشد لإظهار عدده فيه ثم قال لذلك الرئيس ما أقدمك يا ابن عم فقال له قدمت مددا لك إذ كنت على محاربة هذا الدعي لما لا يجب له ولا يستحقه يعني صاحبنا فقال له حميد لست أقبل مددا إلا من وثقت بصرامته وقوة قلبه واحتماله لما تصعب على أكثر الناس في نصرتي ولا بد من امتحانك فإن خرجت على المحنة قبلتك وإلا رددتك إلى أهلك فقال له الطائي فامتحني بما أحببت فأخرج حميد عمودا من تحت مصلاه ثم قال له ابسط ذراعك فبسط ذراعه فحمل حميد العمود على عاتقه ثم هوى به إلى ذراع الطائي فلما قرب العمود من ذراعه رفع يده فأظهر حميد غضبا عليه ثم قال له رددت يدي فترضاه الطائي ثم دعاه إلى معاودة امتحانه فأمره حميد بإظهار ذراعه ففعل فرفع حميد العمود ليضرب به ذراعه فلما قرب العمود من ذراع
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»