عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢١٢
وحلها فلم يكن في الحضور إلا من أكرمه وعظمه وخلع عليه الصاحب خلعا حسنة وسأله أن يعمل له كناشا يختص بذكر الأمراض التي تعرض من الرأس إلى القدم ولا يخلط بها غيرها فعمل كناشة الصغير وهو مقصور على ذكر الأمراض العارضة من الرأس إلى القدم حسبما أمر الصاحب به وحمله إليه فحسن موقعه عنده ووصله بشيء قيمته ألف دينار وكان دائما يقول صنفت مائتي ورقة أخذت عنها ألف دينار ورفع خبره إلى عضد الدولة فأعجب به وزاد موضعه عنده فلما عاد من الري دخل إلى بغداد بزي جميل وأمر مطاع وغلمان وحشم وخدم وصادف من عضد الدولة ما يسره ويختاره قال وحدثني من أثق إليه أنه دخل الأطباء ليهنئوه بوروده وسلامته فقال أبو الحسين بن كشكرايا تلميذ سنان يا أبا عيسى زرعنا وأكلت وأردناك تبعد فازددت قربا لأنه كان كما تقدم ذكره فضحك جبرائيل من قوله وقال له ليس الأمور إلينا بل لها مدبر وصاحب وأقام ببغداد مدة ثلاث سنين واعتل خسروشاه بن مبادر ملك الديلم وآلت حاله إلى المراقبة ونحل جسمه وقوي استشعاره وكان عنده اثنا عشر طبيبا من الري وغيرها وكلما عالجوه ازداد مرضه فأنفذ إلى الصاحب يلتمس منه طبيبا فقال ما أعرف من يصلح لهذا الأمر إلا أبو عيسى جبرائيل فسأله مكاتبته لما بينهما من الإنس وكاتب عضد الدولة يسأل إنفاذه ويعلمه أن حاله قد آلت إلى أمر لا يحتمل الونية في ذلك فأنفذه مكرما فلما وصل إلى الديلمي قال له ما أعالجك أو ينصرف من حولك من أطباء فصرف الأطباء مكرمين وأقام عنده وسأله أن يعمل في صورة المرض مقالة يقف على حقيقته وتدبير يختاره ويعول عليه فعمل له مقالة ترجمها في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيا فرغما ولما اجتاز بالصاحب سأله عن أفضل استقساط البدن فقال هو الدم فسأله أن يعمل له في ذلك كتابا يبرهن عليه فيه فعمل في ذلك مقالة مليحة بين فيها البراهين التي تدل على هذا وكان في هذه المدة مستعجلا للعمل كناشة الكبير ولما عاد إلى بغداد وكان عضد الدولة قد مات فأقام ببغداد سنين مشتغلا بالتصنيف فتمم كناشة الكبير وسماه بالكافي بلقب الصاحب بن عباد لمحبته له ووقف منه نسخة على دار العلم ببغداد وعمل كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة وهو كتاب لم يعمل في الشرع مثله لكثرة احتوائه على الأقاويل وذكر المواضع التي استخرجت منها وأكثر فيه من أقوال الفلاسفة في كل معنى لغموضها وقلة وجودها وقلل من الأقاويل الشرعية لظهورها وكثرة وجودها وفي هذه المدة عمل مقالة في الرد على اليهود جمع فيها أشياء منها جواز النسخ من أقوال الأنبياء ومنها شهادات على صحة
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»