عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٣
كره أن يفتشه بيده لئلا يكون فيه أيضا شيء يؤذيه فوجد فيه أفعيين قد اقتتلا ووقعا جميعا في الماء وتهرءا فأقبل أخي إلى منزلنا صحيحا سالما أيام حياته وترك ذلك العمل الذي كان فيه واقتصر بملازمتي وكان هذا أيضا دليلا على أن لحوم الأفاعي تنفع من نهش الأفاعي والحيات والسباع الضارية وأما التجربة الثالثة فإنه كان للملك يبولوس غلام وكان شريرا غمازا خمانا فيه كل بلاء وكان كبيرا عند الملك يحبه لذلك وكان قد آذى أكثر الناس فاجتمع الوزراء والقواد والرؤساء على قتله فلم يتهيأ لهم ذلك لمكانته عند الملك فاحتال بعضهم وقال اذهبوا فاسحقوا وزن درهمين أفيونا وأطعموه إياه في طعامه أو اسقوه في شرابه فإن الموت السريع يلحق الناس كثيرا فإذا مات حملتموه إلى الملك وليس به جراحة ولا قلبه فدعوه إلى بعض البساتين فلم يتهيأ لهم أن يفعلوا ذلك في الطعام فسقوه في الشراب فلم يلبث إلا قليلا أن مات فقالوا نتركه في بعض البيوت ونختم عليه ونوكل الفعلة بباب البيت حتى نمضي إلى الملك نعلمه أنه قد مات فجأة ليبعث ثقاته ينظرونه فلما صاروا بأجمعهم إلى الملك نظر الفعلة إلى أفعى قد خرج من بين الحجر ودخل إلى البيت الذي فيه الغلام فلم يتهيأ لهم أن يدخلوا خلفه ويقتلوه لأن الباب كان مختوما فلم يلبثوا إلا ساعة والغلام يصيح بهم لم قفلتم علي الباب أعينوني قد لسعتني أفعى ومد الباب من داخل وأعانه قوام البستان من خارج فكسروه فخرج وليس به قلبه وكان هذا أيضا دليلا على أن لحوم الأفاعي تنفع من شرب الأدوية القتالة المهلكة هذا جملة ما ذكره اندروماخس ومثل هذا أيضا أعني ما حصل بالاتفاق والمصادفة أنه كان بعض المرضى بالبصرة وكان قد استسقى ويئس أهله من حياته وداووه بوصفات كثيرة من أدوية الأطباء فيئسوا منه وقالوا لا حيلة في برئه فسمع ذلك من أهله فقال لهم دعوني الآن أتزود من الدنيا وآكل كل ما عن لي ولا تقتلوني بالحمية فقالوا له كل ما تريد فكان يجلس بباب الدار فمهما جاز اشترى منه وأكل فمر به رجل يبيع جرادا مطبوخا فاشترى منه كثيرا فلما أكله انسهل بطنه من الماء الأصفر في ثلاثة أيام ما كاد به أن يتلف لإفراطه ثم إنه عندما انقطع القيام زال كل ما كان في جوفه من المرض وثابت قوته فبرأ وخرج يتصرف في حوائجه فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن الخبر فعرفه فقال أن الجراد ليس من طبعه أن يفعل هذا فدلني على بائع الجراد فدله عليه فقال له من أين تصطاد هذا الجراد فخرج به إلى المكان فوجد الجراد في أرض أكثر نباتها المازريون وهو من دواء الاستسقاء وإذا دفع إلى مريض منه وزن درهم أسهل إسهالا
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 29 ... » »»