فكانت البلاغة تجيش في صدره فتستفيض على لسانه كما تنفر الرياحين فتنسج الأزهار البديعة وتضوع بالنفحات العطرة دون أن تستعين بأصول الكيميا ومناسج الحاكة فمثله كمثل الهزار وصوادح الأطيار التي تنظم الأنغام المطربة والألحان الشجية وهي لم تأخذ الموسيقي عن الفارابي ولا العروض عن الخليل اما علومه فكانت الصرف والنحو والبديع والعروض والمنطق والفقه والطب القديم والموسيقي وما وعاه صدره من اللغة كأنه معجم: وقد بلغ منها الغاية القصوى والف فيها كلها ما خلا الفقه احتراما والموسيقي لأنها تتناول بالسمع على أنه لم يكن يفوته منها دقيق ولا جليل حتى سأله بعضهم عن نغم الريح وقد هبت فأجاب هو أشبه بالبيات.
اما خلقه فكان ربعة القوام إلى الطول معتدل البنية اسود العينين حاد النظر حنطي اللون وقورا الا أن السذاجة غالبة عليه في حديثه وملبوسه وكل ما اتصل به لأنها تشتف عن كرم الخلق فكان زيه سحابة عمره ما وجد عليه أباه وجده من الجبة الصوف والعمامة الحرير الأسود. وإذا حدثته لم تستمع منه كلمة تنبئ عن علمه على أن كلامه يصح ان يكتب لسلامته وايجازه وحسن معانيه فضلا عن ما يتخلله من الحكمة فمن المحفوظ منه قوله: ان الانسان يصحب عقله حتى يصل إلى الدين ويصحب دينه حتى يصل إلى المال واما سعة محفوظه فقد جرت مثلا فإنه قلما تصفح كتابا واحتاج إلى إعادة النظر فيه وكلما سمع بيتا للمتقدمين وغاب عنه اسم قائله. وربما ذكر شأنه الذي فيه وإذا روي حكاية سردها بوقائعها وأسماء أصحابها: وان نسب أحدا من مشاهير العرب ربما ذكر العشرين من جدوده على التوالي كأنه نسابة: واما القرآن فكان يحفظه آية آية ومثل ذلك حفظه لشعر أبي الطيب أما شعره فقد أثبت منه في دواوينه ما يربي علي سبعة آلاف بيت وكله من السهل الممتع متي ما قصد فيه التاريخ على حساب الجمل على وعورة الطريق إليه: فقد أغفل شعر صباه وهو أكثر مما حوته دواوينه وغالبه في غاية