كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٥٠
المنظر التاسع: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم: قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى يراد من العلماء عشرة أشياء: الخشية والنصيحة والشفقة والاحتمال والصبر والحلم والتواضع والعفة عن أموال الناس والدوام على النظر في الكتب وقلة الحجاب وان لا ينازع أحدا ولا يخاصمه وعليه ان يشتغل بمصالح نفسه لا بقهر عدوه قيل من أراد ان يرغم أنف عدوه فليحصل العلم وان لا يترفه في المطعم والملبس ولا يتجمل في الأثاث والمسكن بل يؤثر الاقتصاد في جميع الأمور ويتشبه بالسلف الصالح وكلما ازداد إلى جانب القلة ميله ازداد قربه من الله سبحانه وتعالى لان التزين بالمباح وان لم يكن حراما لكن المخوض فيه يوجب الانس به حتى يشق تركه فالحزم اجتناب ذلك لان من خاض في الدنيا لا يسلم منها البتة مع انهار مزرعة الآخرة ففيها الخير النافع والسم الناقع ففي تمييز الأول من الثاني أحوال منها معرفة رتبة المال فنعم الصالح منه للصالح إذا جعله خادما لا مخدوما وهو مطلوب لتقوية البدن بالمطاعم والملابس والتقوية لكسب العلوم والمعارف الذي هو المقصد الأقصى ومنها مراعاة جهة الدخل فمن قدر على كسب الحلال الطيب فليترك المشتبه وان لم يقدر يأخذ منه قدر الحاجة وان قدر عليه لكن بالتعب واستغراق الوقت فعلى العامل العامي ان يختار التعب وإن كان من الأهل فإن كان ما فاته من العلم والحال أكثر من الثواب الحاصل في طلب الحلال فله ان يختار الحلال الغير الطيب كمن غص بلقمة يسيغها بالخمر لكن يخفيه من الجاهل مهما أمكن كيلا يحرك سلسلة الضلال ومنها المقدار المأخوذ منه وهو قدر الحاجة في المسكن والمطعم والملبس والمنكح ان جاوز من الأدنى لا يجوز التجاوز عن الوسط ومنها الخرج والانفاق فالمحمود منه الصدقة المفروضة والانفاق على العيال وقد اختلف في الاخذ والانفاق على الوجه المشروع أولي أم تركه رأسا مع الانفاق على أن الاقبال على الدنيا بالكلية مذموم فالمقبلون على الآخرة والصارفون للدنيا في محله فهم الأفضلون من التارك بالكلية ومنهم عامة الأنبياء عليهم الاسلام ومنها أن تكون نيته صالحة في الاخذ والانفاق فينوي بالأخذ ان يستعين به على العبادة ويأكل ليتقوى به على العبادة.
المنظر العاشر في التعلم وفيه فتوحات أيضا فتح: اعلم أن تكميل النفوس البشرية في قواها النظرية والعملية انما يتم بالعلم بحقائق الأشياء وما هو إليه كالوسيلة وبه يكون الفصد إلى الفضائل والاجتناب على الرذائل إذ كان هو الوسيلة إلى السعادة الأبدية ولا شئ إذ شنع وأقبح من الانسان مع ما فضله الله سبحانه
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»