كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٤٨
فان ذلك يزيد طالبها تمكنا في ملكة واما العلوم الالية فلا ينبغي ان ينظر فيها الامن حيث هي آلة للغير ولا يوسع فيها الكلام لان ذلك يخرج بها عن المقصود وصار الاشتغال بها لغوا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها وربما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات لطول وسائلها فيكون الاشتغال بهذه العلوم الالية تضييعا للعمر وشغلا بما لا يعنى وهذا كما فعله المتأخرون في النحو والمنطق وأصول الفقه لانهم أو سعوا دائرة الكلام فيها نقلا واستدلالا وأكثروا من التفاريع والمسائل بما أخرجها عن كونها آلة وصيرها مقصودة بذاتها فيكون لأجل ذلك لغوا ومضرا بالمتعلمين لاهتمامهم بالمقصود أكثر من هذه الآلات [لاهتمامهم بهذه الآلات أكثر المقصود] فإذا افنى العمر فمتى يظفر بالمقاصد فيجب عليه ان لا يستبحر فيها ولا يستكثر من مسائلها.
المنظر الثامن: في شروط الإفادة ونشر العلم وفيه فتوحات ايضاء فتح: اعلم أن الإفادة من أفضل العبادة فلا بدله من النية ليكون ابتغاء لمرضاة الله تعالى وارشاد عباده [وارشادا لعباده] ولا يريد بذلك زيادة جاه وحرمة ولا يطلب على افاضته اجرا اقتداء بصاحب الشرع عليه السلام. ثم ينبغي له مراعاة أمور منها أن يكون مشفقا ناصحا على أصحابه [على المتعلم] وان ينبهه على غاية العلوم ويزجره عن الأخلاق الردية ويمنعه ان يتشوق إلى رتبة فوق استحقاقه وان يتصدى للاشتغال فوق طاقته وان لا يزجر إذا تعلم للرياسة والمباهاة إذ وبما يتنبه بالآخرة لحقائق الأمور بل ينبغي ان يرغب في نوع من العلم يستفاد به الرياسة بالاطماع فيها حتى يستدرجه إلى الحق اعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل الرياسة وحسن الذكر حفظا للشرع والعلم مثل الحب الملقى حول الشبكة كالشهوة الداعية إلى التناسل ولهذا قيل لولا الرياسة لبطل العلم وان يزجر عما يجب الزجر عنه بالتعريض لا بالتصريح.
فتح: ومنها ان يبدأ بما يهم للمتعلم في الحال اما في معاشه أو في معاده ويعين له ما يليق بطبعه من العلوم ويراعى الترتيب الأحسن حسبما يقتضيه رتبتها على قدر الاستعداد فمن بلغ رشده في العلم ينبغي ان يبث إليه حقايق العلوم والا فحفظ العلم وامساكه عمن لا يكون أهلا له أولي به فمن متح الجهال علما إضاعة * ومن منع المستوجبين فقد ظلم فان بث المعارف إلى غير أهلها مذموم وفى الحديث لا تطرحوا الدرر في أفواه الكلاب وكذا ينبغي ان يجتنب اسماع العوام كلمات الصوفية التي يعجزون عن تطبيقها بالشرع فإنه يؤدى إلى انحلال قيد الشرع عنهم فيفتح عليهم باب الالحاد والزندقة فينبغي
(٤٨)
مفاتيح البحث: أصول الفقه (1)، المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»