كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٤٢
والملكات كلها جسمانية والجسمانيات كلها محسوسة فتفتقر إلى التعليم فيكون صناعيا ولذلك كان السند فيه معتبرا والبيع ما يسمونه علما أو صناعة فهو عبارة عن ملكة نفسانية يقتدر بها صاحبها على النظر في الأحوال العارضة لموضوع ما من جهة ما بحيث يؤدى إلى الغرض فالعلم إذا ما اختص بالجنان واللسان والصناعة إذا ما احتاجت إلى عمل بالبنان كالخياطة. وقد قيل إن المعلومات الحاصلة لصاحب هذه الملكة لا تخلو اما ان تحصل على الاستقراء والتتبع كالنحو وصنائع الفصاحة والبديع أو تحصل عن النظر والاستدلال كعلم الكلام فالأول يسمى الصناعة والثاني العلم لكن الزمخشري قد عكس في أول تفسيره فسمى المعاني والبيان علما وسمى الكلام صناعة فقال الطيبى والحق ان كل علم مارسه الرجل حتى صار له حرفة سمى ذلك عندهم صنعة واستشهد عليه بما قاله الزمخشري في قوله سبحانه وتعالى لبئس ما كانوا يصنعون. والأولى ان يقال إن أريد العرف الخاص فلا ينضبط وان أريد العرف العام المتبادر إلى الأذهان عند الاطلاق فالحق ما قيل أولا إذ لا يطلق على الأساكفة انهم علماء ولا على صنائعهم انها علوم وإن كانت أفعالهم لا تصدر الا عن علم العلماء وحكمة الحكماء فالصنائع الحكم التي تفتقر إلى تصور الجنان وتمرين البنان فان أطلقت الصناعة على مالا وجود له في الأعيان فبالمجاز على طريق التشبيه [1] واطلقوا على العالم صانعا للتنبيه على أنه احكم علمه وتفرس فيه. واعلم أن تعليم العلم من جملة الصنائع إذ هو صناعة اختلاف الاصطلاحات فيه فلكل امام اصطلاح في التعليم يختص به شان الصنائع الا ترى إلى علم الكلام كيف يخالف في تعليمه اصطلاح المتقدمين والمتأخرين فدل على انها صناعات في التعليم والعلم واحد ولما كان التعليم من جملة الصنائع كان العلوم تكثر حيث يكثر العمران ويكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة بحسب الأمصار على نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة لأنه أمر زائد على المعاش فمتى فضلت اعمال أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الانسان وهى العلوم والصنائع ومن تشوق بفطرته إلى العلم ممن نشأ في القرى فلا يجد فيها التعليم لابد له من الرحلة في طلبه إلى الأمصار.
المنظر الرابع: في أن الرحلة في الطلب مفيدة وسبب ذلك ان البشر يأخذون معارفهم واخلاقهم وما ينتحلونه من المذاهب تارة علما وتعليما والقاء وتارة محاكاة وتلقيا

[1] كما أنهم يشبهون ألقاب البديع بالنقوش ويجعلون التأليف بينها كالتأليف بين بعض الاصباغ (منه)
(٤٢)
مفاتيح البحث: الزمخشري (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»