كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ١٨٧
فأخبره انه البيضاوي وانه جاء في طلب القضاء بشيراز فأكرمه وخلع عليه في يومه ورده انتهى. وقيل إنه طال مدة ملازمته فاستشفع من الشيخ محمد بن محمد الكحتائي فلما اتاه على عادته قال إن هذا الرجل عالم فاضل يريد الاشتراك مع الأمير في السعير يعنى انه يطلب منكم مقدار سجادة في النار وهى مجلس الحكم فتأثر الامام البيضاوي من كلامه وترك المناصب الدنيوية ولازم الشيخ إلى أن مات وصنف التفسير بإشارة شيخه ولما مات دفن عند قبره. وتفسيره هذا كتاب عظيم الشأن غنى عن البيان لخص فيه من الكشاف ما يتعلق بالاعراب والمعاني والبيان ومن التفسير الكبير ما يتعلق بالحكمة والكلام ومن تفسير الراغب ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات وضم إليه ما ورى زناد فكره من الوجوه المعقولة والتصرفات المقبولة فجلا رين الشك عن السريرة وزاد في العلم بسطة وبصيرة كما قال مولانا المنشى:
(شعر) أولوا الألباب لم يأتوا * بكشف قناع ما يتلى ولكن كان للقاضي * يد بيضاء لا تبلى ولكونه متبحرا جال في ميدان فرسان الكلام فاظهر مهارته في العلوم حسبما يليق بالمقام كشف القناع تارة عن وجوه محاسن الإشارة وملح الاستعارة وهتك الأستار أخرى عن اسرار المعقولات بيد الحكمة ولسانها وترجمان الناطقة وبنانها فحل ما أشكل على الأنام وذلل لهم صعب المرام وأورد في المباحث الدقيقة ما يؤمن به عن الشبه المضلة وأوضح له مناهج الأدلة والذي ذكره من وجوه التفسير ثانيا أو ثالثا أو رابعا بلفظ قيل فهو ضعيف ضعف المرجوح أو ضعف المردود واما الوجه الذي تفرد فيه وظن بعضهم انه مما لا ينبغي أن يكون من الوجوه التفسير ية السنية كقوله وحمل الملائكة العرش وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له ونحوه فهو ظن من لعله يقصر فهمه عن تصور مبانيه ولا يبلغ علمه إلى الإحاطة بما فيه فمن اعترض بمثله على كلامه كأنه ينصب الحبالة للعنقاء ويروم ان يقنص نسر السماء لأنه؟؟ مالك زمام العلوم الدينية والفنون اليقينية على مذهب أهل السنة والجماعة وقد اعترفوا له قاطبة بالفضل المطلق وسلموا إليه قصب السبق فكان تفسيره يحتوى فنونا من العلم وعرة المسالك وأنواعا من القواعد مختلفة الطرائق وقل من برز في فن الاوصده عن سواه وشغله والمرء عدوما جهله فلا يصل إلى مرامه الا من نظر إليه بعين فكره واعمى عين هواه واستعبد نفسه
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»