الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٤٥
وذلك أن المجاهدة تؤدى إلى المشاهدة، والعناية بطهارة القلب وتزكية النفس تفجر الحكمة في قلب العبد، قال الغزالي: أما الكتب والتعليم فلا بذلك - أي بالحكمة تتفجر في القلب بل الحكمة الخارجة عن الحصر والعد إنما تتفتح بالمجاهدة ومراقبة الأعمال الظاهرة والباطنة، والجلوس مع الله عز وجل في الخلوة مع حضور القلب بصافي الفكرة، والانقطاع إلى الله عز وجل عما سواه فذلك مفتاح الافهام ومنبع الكشف فكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجازاة مسموعة بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعليم، ومتوفر على العمل ومراقبة القلب، فتح الله عليه من لطائف الحكمة ما تحار فيه عقول ذوي الألباب، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم ".
العامل الثالث عشر:
وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يحفظهم الكتاب والسنة ويعلمهم ما لم يتعلموه، ويفقههم في أمور دينهم.
قال الشيخ الزرقاني: " ولا ريب أن هذا عامل مهم ييسر لهم الحفظ ويهون عليهم الاستظهار... " عوامل خاصة بالقرآن الكريم:
وهذه العوامل - الخاصة توافرت في حفظ الصحابة للقرآن الكريم دون السنة النبوية المطهرة.
أولها: تحدى القرآن للعرب بل لكافة الخلق.
قال تعالى (فليأتوا بحديث مثله)، ولما عجزوا قال: (فاتوا بعشر سور مثله)، ولما عجزوا قال: (فاتوا بسورة من مثله)، ولما عجزوا سجل عليهم هزيمتهم وأعلن اعجاز القرآن فقال عز اسمه: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) ثانيها: عنايته صلى الله عليه وسلم بكتابة القران فيما تيسر من أدوات الكتابة، إذ اتخذ كتابا للوحي من
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»