سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٣ - الصفحة ٣١٥
الجوى، كل وقت له حبيب، ومن كل حسن له نصيب. رحل إلى خراسان، وقدم بغداد وأقام بدمشق وبحلب، ورأيته بالموصل، ثم يتبع من يهواه إلى طيبه، وأخبرني أنه ولد بمرسية سنة سبعين، وهو من بيت كبير وحشمة، وانتقل إلى مصر، وقد لزم النسك والانقطاع، وكان له في العلوم نصيب وافر، يتكلم فيها بعقل صائب، وذهن ثاقب، وأخبرني في سنة 626 أنه قرأ القرآن على غلبون بن محمد المرسي صاحب ابن هذيل، وعلي بن الشريك (1)، وقرأ الفقه والنحو والأصول، ثم ارتحل إلى مالقة سنة تسعين، فقرأ على أبي إسحاق بن إبراهيم بن يوسف بن دهاق، ويعرف بابن المرأة. قال: ولم يكن بالأندلس في فنه مثله، يقوم بعلم التفسير وعلوم الصوفية، كان لو قال هذه الآية تحتمل ألف وجه قام بها، قال: وما سمعت شيئا إلا حفظته، قرأ على أبي عبد الله الشوذي التلمساني الصالح. قال ياقوت (2): فحدثني شرف الدين قال: حدثني ابن دهاق: حفظت وأنا شاب القرآن، وكتبا منها " إحياء علوم الدين " للغزالي، فسافرت إلى تلمسان فكنت أرى رجلا زريا قصيرا طوله نحو ذراع، وكان يأخذ زنبيله ويحمل السمك بالاجرة، وما رآه أحد يصلي، فاتفق أني اجتزت يوما وهو يصلي فلما رآني قطع الصلاة، وأخذ يعبث، ثم جاء العيد فوجدته في المصلى فقلت: سآخذه معي أطعمه فسبقني، وقال: قد سبقتك، أحضر عندي، فمضيت معه إلى المقابر فأحضر طعاما حارا يؤكل في الأعياد، فعجبت وأكلت، شم شرع يخبرني بأحوالي كأنه كان معي، وكنت إذا صليت يخيل لي نور عند قدمي، فقال لي: أنت معجب تظن نفسك شيئا، لا، حتى تقرأ

(1) هو علي بن يوسف بن شريك الداني، أبو الحسن.
(2) هذا النص غير موجود في ترجمة المرسي في " معجم الأدباء "، ولا بعض الذي قبله.
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»