سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٧٧
مع شاخته وهرمه، ما امتنع قط عمن قصده ولا اعتذر إلا من ضرورة بينة، وكان قد تحصل عنده من الأعلاق النفيسة وأمهات الدواوين ما لم يكن عند أحد من أبناء عصره وبنى مدرسة بسبتة، ووقف عليها الكتب، وشرع في تكميل ذلك على السنن الجاري بالمدارس التي ببلاد المشرق، فعاق عن ذلك قواطع الفتن الموجبة لاخراجه عن سبتة وتغريبه، فدخل الأندلس في سنة إحدى وأربعين وست مئة فنزل المرية فبقي إلى سنة ثمان وأربعين، وأخذ عنه بها عالم كثير، وأقرأ بها القرآن، ثم قدم مالقة في صفر سنة ثمان.
وحدث بغرناطة، وأخذ عنه بمالقة جلة، كأبي عبد الله الطنجالي، والأستاذ حميد القرطبي، وأبي (1) الزهر بن ربيع.
وكذلك عظمه وفخمه أبو عبد الله الأبار (2)، وقال: شارك في عدة فنون، مع الشرف والحشمة والمروءة الظاهرة، واقتنى من الكتب شيئا كثيرا، وحصل الأصول العتيقة، وروى الكثير، وكان محدث تلك الناحية.
حكى لي أبو القاسم بن عمران الحضرمي عن سبب إخراج الشاري من سبتة أن ابن خلاص وكبراء أهل سبتة عزموا على تمليك سبتة لصاحب إفريقية يحيى بن عبد الواحد، فقال لهم الشاري: يا قوم خير إفريقية بعيد عنا وشرها بعيد، والرأي مداراة ملك مراكش. فما هان على ابن خلاص وكان فيهم مطاعا فهيأ مركبا وأنزل فيه أبا الحسن الشاري وغربه إلى مالقة، وبقي بسبتة أهله وماله، وله بسبتة مدرسة مليحة كبيرة.
قال ابن الزبير: توفي أبو الحسن رحمه الله بمالقة في التاسع والعشرين من رمضان سنة تسع وأربعين وست مئة.

(1) في الأصل: (وأبو) ولا يصح ذلك.
(2) التكملة لكتاب الصلة (النسخة الأزهرية) ج 3 الورقة 80 بتصرف في الجملة
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»