سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٣٣
قاصدوه، وجاءه رسول جنكزخان يطلب الهدنة يقول: إن القان الأعظم يسلم عليك ويقول: ما يخفى علي عظم سلطانك وأنت كأعز أولادي وأنا بيدي ممالك الصين، فاعقد بيننا المودة، وتأذن للتجار وتنعمر البلاد، فقال السلطان لمحمود الخوارزمي الرسول: أنت منا وإلينا، وأعطاه جواهر وطلب أن يكون مناصحا له فأجابه، فقال: اصدقني، تملك جنكزخان طمغاج؟
قال: نعم، قال: فما المصلحة؟ قال: الصلح. فأجاب. فأعجب ذلك جنكز خان ومشى الحال. ثم جاء من جهة التتار تجار فشرهت نفس خال السلطان متولي ما وراء النهر إلى أخذ أموالهم، وقبض عليهم وظنهم جواسيس للتتار، فجاء رسول جنكزخان يقول: إنك أمنت تجارنا والغدر قبيح، فإن قلت: فعله خالي فسلمه إلينا وإلا سترى مني ما تعرفني به، فحارت نفس خوارزم شاه، وتجلد، وأمر بقتل الرسل، فيا بئس ما صنع، وحصن سمرقند وشحنها بالمقاتلة فما نفع، وقضي الامر.
ودخلت سنة 616: فتقهقر خوارزم شاه، وأقبلت المغل كالليل المظلم، وما زال أمر خوارزم شاه في إدبار، وسعده في سفال، وملكه في زوال، وهو في تقهقر واندفاع إلى أن قارب همذان، وتفرق عنه جمعه، حتى بقي في عشرين ألفا، فما بلغ ريقه إلا وطلائع المغل قد أظلته، وأحدقوا به، فنجا بنفسه، واستحر القتل بجنده، وفر إلى الجبل، ثم إلى مازندران، ونزل بمسجد على حافة البحر يصلي بجماعة ويتلو ويبكي، ثم بعد أيام كبسه العدو، فهرب في مركب صغير، فوصل إليه نشابهم وخاض وراءه طائفة، فبقي في لجة، ومرض بذات الجنب، فقال: سبحان الله ما بقي لنا من مملكتنا قدر ذراعين ندفن فيها، فوصل إلى جزيرة فأقام بها طريدا وحيدا مجهودا، ومات فكفنه فراشه في عمامته سنة سبع عشرة وست مئة.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»