سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٢ - الصفحة ١٩٨
قال ابن النجار: شرفني الناصر بالإجازة، ورويت عنه بالحرمين ودمشق والقدس وحلب وبغداد وأصبهان ونيسابور ومرو وهمذان.
قال الموفق: وأقام مدة يراسل جلال الدين الصباحي صاحب الألموت يراوده أن يعيد شعار الاسلام من الصلاة والصيام مما تركوه في زمان سنان، ويقول لهم: إنكم إذا فعلتم ذلك كنا يدا واحدة. واتفق أن رسول خوارزم شاه قدم فزور على لسانه كتب في حق الملاحدة تشتمل على الوعيد، وعزم الايقاع بهم، وأنه يخرب قلاعهم ويطلب من الناصر المعونة، وأحضر رجل منهم كان قاطنا ببغداد ووقف على الكتب، وأخرج بها وبكتب من الناصر على وجه النصح نصف الليل على البريد، فقدم الألموت فأرهبهم فتظاهروا بالاسلام وإقامة الشعار (1)، وبعثوا رسولا معه مئتا شاب ودنانير كبارا عليها " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وطاف المئتان بها يعلنون بالشهادتين.
وكان (2) الناصر قد ملا القلوب هيبة وخيفة، حتى كان يرهبه أهل الهند، وأهل مصر، فأحيى هيبة الخلافة. لقد كنت بمصر وبالشام في خلوات الملوك والأكابر إذا جرى ذكره خفضوا أصواتهم إجلالا له. ورد بغداد تاجر معه متاع دمياط المذهب، فسألوه عنه فأخفاه فأعطي علامات فيه من عدده وألوانه وأصنافه، فازداد إنكاره، فقيل له: من العلامات أنك نقمت على مملوكك فلان التركي فأخذته إلى سيف (3) بحر دمياط وقتلته، ودفنته هناك خلوة.

(1) قد نوهنا في ترجمة جلال الدين إلى أن إقامته شعائر الاسلام إنما كان لأغراض سياسية بحتة، لذلك نعته الذهبي في غير هذا الموضع بلقب " ضلال الدين " بدلا من " جلال الدين ".
(2) الكلام للموفق عبد اللطيف.
(3) السيف - بكسر السين -: الساحل.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»