إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب، حتى إن كان ليمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام، ودعا له، حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد، المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له، إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عليه من الدنيا جمل، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لاقوام، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين، مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطا، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان.
وكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعلم، ولا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدا في محلته (1) أن يفعل منكرا، ولا سماعا، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلة.
وكان حسن الصلاة لم أر أحدا من مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان متشددا في أمر الطهارة، لا يدع أحدا يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارا، وأكمامه قصارا، وعمامته نحو سبعة أذرع.