ثم هلك هذا الداعي، وجاء بعده سنان، فكان سخطة وبلاء، متنسكا، متخشعا، واعظا، كان يجلس على صخرة كأنه صخرة لا يتحرك منه سوى لسانه، فربطهم، وغلوا فيه، وأعتقد منهم به الإلهية، فتبا له ولجهلهم، فاستغواهم بسحر وسيمياء، وكان له كتب كثيرة ومطالعة، وطالت أيامه.
وأما الألموت (1) فوليها بعد صباح ابنه محمد، ثم بعده حفيده الحسن ابن محمد الذي أظهر شعار الاسلام، ونبذ الانحلال تقية، وزعم أنه رأى الامام عليا، فأمره بإعادة رسوم الدين، وقال لخواصه: أليس الدين لي؟
قالوا: بلى، قال: فتارة أضع عليكم التكاليف، وتارة أرفضها، قالوا:
سمعنا وأطعنا، واستحضر فقهاء وقراء ليعلموهم (2). وتخلصوا بهذا من صولة خوارزمشاه.
نعم، وكان سنان قد عرج من حجر وقع عليه في الزلزلة الكبيرة زمن نور الدين، فاجتمع إليه محبوه على ما حكى الموفق عبد اللطيف ليقتلوه، فقال: ولم تقتلوني؟ قالوا: لتعود إلينا صحيحا، فشكر لهم، ودعا (3)، وقال: اصبروا علي، يعني ثم قتلهم بحيلة. ولما أراد أن يحلهم من الاسلام، نزل في رمضان إلى مقثأة (4)، فأكل منها، فأكلوا معه.
قال ابن العديم في (تاريخه): أخبرني شيخ أدرك سنانا أنه كان بصريا