سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٧ - الصفحة ١٧٩
وقال أبو مروان بن حيان: وممن قتل يوم أخذ قرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي، ووري متغيرا من غير غسل، ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والافتنان في العلوم والأدب البارع، ولد سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وحج سنة اثنتين وثمانين، وجمع من الكتب أكثر ما يجمعه أحد في علماء البلد، وتقلد قراءة الكتب بعهد العامرية، واستقضاه محمد المهدي ببلنسية، وكان حسن البلاغة والخط (1).
قال الحميدي (2): حدثنا علي بن أحمد الحافظ (3)، أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة، وسألت الله تعالى الشهادة، ثم فكرت في هول القتل، فندمت، وهممت أن أرجع، فأستقيل الله ذلك، فاستحييت. قال الحافظ علي: فأخبرني من رآه بين القتلى، ودنا منه، فسمعه يقول بصوت ضعيف: " لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك " (4). كأنه يعيد على نفسه الحديث، ثم قضى على إثر ذلك رحمه الله.
وله شعر رائق فمنه:

(١) " الصلة " ١ / ٢٥٣، و " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١٠٧٧.
(٢) في " جذوة المقتبس " ٢٥٥. وانظر " الذخيرة " ق ١ / ج ٢ / ٦١٤، ٦١٥، و " بغية الملتمس " ٣٣٥، و " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١٠٧٧، ١٠٧٨، و " نفح الطيب " ٢ / ١٣٠، و " وفيات الأعيان " ٣ / ١٠٦، و " المغرب " ١ / ١٠٣، ١٠٤.
(٣) هو الامام الكبير أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، صاحب " المحلى " في الفقه، متوفى سنة ٤٥٦ ه‍ ستأتي ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (٩٨).
(٤) أخرجه من حديث أبي هريرة مالك ٢ / ٤٦١ في الجهاد: باب الشهداء في سبيل الله، وأحمد 2 / 231، والبخاري (2803) ومسلم (1876).
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»