سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ١٩١
فرقتين. فرقة العبيد وعرب الصعيد، وفرقة الترك والمغاربة، ورأسهم ابن حمدان، فالتقوا بكوم الريش، فهزمهم ابن حمدان. وقتل وغرق نحو من أربعين ألفا. ونفدت خزائن المستنصر على الترك، ثم اختلفوا، ودام الحرب أياما، وطمعوا في المستنصر، وطالبوه حتى أبيعت فرش القصر، وأمتعته بأبخس ثمن، وغلبت العبيد على الصعيد، وقطعوا الطرق، وكان نقد الأتراك في الشهر أربع مئة ألف دينار، واشتدت وطأة ناصر الدولة، وصار هو الكل، فحسده الامراء، وحاربوه، فهزموه، ثم جمع، وأقبل، فانتصر، وتعثرت الرعية بالهيج مع القحط، ونهبت الجند دور العامة (1).
قال ابن الأثير: اشتد الغلاء حتى حكى أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، باعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مئة دينار، فاشترت بها جوالق (2) قمح، فانتهبه الناس، فنهبت هي منه فحصل لها ما خبز رغيفا (3).
واضمحل أمر المستنصر بالمرة، وخمل ذكره. وبعث ابن حمدان يطالبه بالعطاء، فرآه رسوله على حصير، وما حوله سوى ثلاثة غلمان.
فقال: أما يكفي ناصر الدولة أن أجلس في مثل هذا الحال؟ فبكى الرسول، ورق له ناصر الدولة، وقرر له كل يوم مئة دينار.
وكان ناصر الدولة، يظهر التسنن، ويعيب المستنصر لخبث رفضه وعقيدته، وتفرق عن المستنصر أولاده، وأهله من الجوع. وتفرقوا في

(1) انظر " الكامل ": 10 / 80 - 85.
(2) وعاء من صوف أو غيره، جمعه: جوالق - بفتح الجيم، وهو عند العامة (شوال).
(3) " الكامل ": 10 / 85.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»