سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ١٨١
ذلك الناس، فبعثوا إليه يقولون: نحن نقصد أيضا القاهرة، فأمر العبيد بالكف بعد أن أحرق من مصر ثلثها، ونهب وأسر النصف، ثم اشترى الناس حرمهم من العبيد بعد أن فجروا بهن، وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا الحاكم، يقولون: يا واحد، يا أحد، يا محيي يا مميت، ثم أوحش أخته ست الملك بمراسلات قبيحة أنها تزني، فغضبت، وراسلت الأمير ابن دواس، وكان خائفا من الحاكم، ثم ذهبت إليه سرا، فقبل قدمها، فقالت: جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك، قال: أنا مملوكك، قالت:
أنت ونحن على خطر من هذا. وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا، وزاد به جنونه، وعمل ما لا يصبر عليه مسلم، وأنا خائفة أن يقتل فنقتل، وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء. قال: صدقت، فما الرأي؟ قالت: تحلف لي، وأحلف لك على الكتمان، فتعاقدا على قتله، وإقامة ابنه، وتكون أنت أتابكه (1)، فاختر عبدين تعتمد عليهما على سرك. فأحضر عبدين شهمين أمينين، فحلفتهما، وأعطتهما ألف دينار، وإقطاعا. وقالت: اكمنا له في الجبل، فإنه غدا يصعد، وما معه سوى ركابي ومملوك، ثم ينفرد عنهما فدونكماه، وكان الحاكم ينظر في النجوم وعليه قطع حينئذ متى نجا منه عاش نيفا وثمانين سنة. فأعلم أمه، وأعطاها مفتاح خزانة فيها ثلاث مئة ألف دينار، وقال: حوليها إلى قصرك، فبكت، وقالت: إذا كنت تتصور هذا فلا تركب الليلة، قال: نعم. وكان يعس (2) في رجال، ففعل ذلك، ونام، فانتبه [في] الثلث الأخير، وقال: إن لم أركب وأتفرج، خرجت نفسي.
وكان مسودنا، فركب وصعد في الجبل، ومعه صبي، فشد عليه العبدان

(1) الأتابكي: هو من ألقاب أمير الجيوش، ومن في معناه " صبح الأعشى ": 6 / 5 - 6.
(2) عس. من باب (رد): طاف بالليل.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»