سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٢
سألت ابن أبي داود عن حديث الطير (1)، فقال: إن صح حديث الطير فنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - باطل، لأنه حكى عن حاجب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيانة - يعني أنسا - وحاجب النبي لا يكون خائنا (2).
قلت: هذه عبارة رديئة، وكلام نحس، بل نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - حق قطعي، إن صح خبر الطير، وإن لم يصح، وما وجه الارتباط؟ هذا أنس قد خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحتلم، وقبل جريان القلم، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة. فرضنا أنه كان محتلما، ما هو بمعصوم من الخيانة، بل فعل هذه الجناية الخفيفة متأولا، ثم إنه حبس عليا عن الدخول كما قيل، فكان ماذا؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستجيبت، فلو حبسه، أو رده مرات، ما بقي يتصور أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه إلا، اللهم إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد بقوله: " إيتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي " عددا من الخيار، يصدق على مجموعهم أنهم أحب الناس إلى الله، كما يصح

(١) ونصه: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " فجاء علي فأكل معه. أخرجه الترمذي: (٣٧٢١)، من طريق سفيان بن وكيع، عن عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أنس، وقال: غريب: أي: ضعيف، لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه. وأخرجه الحاكم من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم له فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فقلت: اجعله رجلا من أهلي من الأنصار، فجاء علي، فقلت: إن رسول الله على حاجة، ثم جاء، فقلت ذلك، فقال: اللهم ائتني كذلك، فقلت ذلك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: افتح، فدخل، فقال: ما حبسك يا علي؟، فقال: إنه هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قلت: أحببت أن يكون رجلا من قومي، فقال: إن الرجل محب قومه " وانظر أجوبة الحافظ ابن حجر على أحاديث وقعت في المصابيح ٣ / ٣١٣، ٣١٤، " والفوائد المجموعة " ص 382. وسيذكر المصنف رأيه فيه بعد قليل..
(2) الكامل لابن عدي: خ: 454.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»