سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ٢٩٥
ابن أحمد بن بقي، حدثني أبي، أخبرتني أمي أنها رأت أبي مع رجل طوال جدا، فسألته عنه، فقال: أرجو أن تكوني امرأة صالحة، ذاك الخضر - عليه السلام (1) - ونقل عبد الرحمن هذا عن جده أشياء، الله أعلم بصحتها، ثم قال:
كان جدي قد قسم أيامه على أعمال البر: فكان إذا صلى الصبح قرأ حزبه من القرآن في المصحف، سدس القرآن، وكان أيضا يختم القرآن في الصلاة في كل يوم وليلة، ويخرج كل ليلة في الثلث الأخير إلى مسجده، فيختم قرب انصداع الفجر، وكان يصلي بعد حزبه من المصحف صلاة طويلة جدا، ثم ينقلب إلى داره - وقد اجتمع في مسجده الطلبة - فيجدد الوضوء، ويخرج إليهم، فإذا انقضت الدول، صار إلى صومعة المسجد، فيصلي إلى الظهر، ثم يكون هو المبتدئ بالاذان، ثم يهبط ثم يسمع إلى العصر، ويصلي ويسمع، وربما خرج في بقية النهار، فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر، فإذا غربت الشمس أتى مسجده، ثم يصلي ويرجع إلى بيته فيفطر، وكان يسرد الصوم إلا يوم الجمعة، ويخرج إلى المسجد، فيخرج إليه جيرانه، فيتكلم معهم في دينهم ودنياهم، ثم يصلي العشاء، ويدخل بيته، فيحدث أهله، ثم ينام نومة قد أخذتها نفسه، ثم يقوم. هذا دأبه إلى أن توفي. وكان جلدا، قويا على المشي، قد مشى مع ضعيف في مظلمة إلى إشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان.

(1) قد صرح بموت الخضر جمهور أهل العلم فيما نقله أبو حيان في " البحر المحيط " وذكر الحافظ ابن حجر في " الإصابة " منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، وأبا طاهر بن العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر بن العربي وابن الجوزي وغيرهم.
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»