وقال يوسف بن يزيد القراطيسي: قدم المأمون مصر، وبها من يتظلم من عامليه: إبراهيم بن تميم، وأحمد بن أسباط. فجلس الفضل ابن مروان الوزير في الجامع، واجتمع الأعيان، وأحضر الحارث بن مسكين ليولى القضاء، فبينا الفضل يكلمه إذ قال له متظلم: سله - أصلحك الله - عن ابن تميم وابن أسباط. فقال: ليس لذا حضر، قال، أصلحك الله، سله. قال: ما تقول فيهما؟ فقال: ظالمين غاشمين. قال: فاضطرب المسجد، فقام الفضل، فأعلم المأمون، وقال: خفت على نفسي من ثورة الناس مع الحارث، فطلب الحارث، وقال: ما تقول في هذين؟ قال: ظالمين غاشمين. قال: هل ظلماك بشئ؟ قال: لا. قال: فعاملتهما؟ قال: لا. قال: فكيف تشهد عليهما؟ قال: كما شهدت أنك أمير المؤمنين، ولم أراك إلا الساعة.
قال: اخرج من هذه البلاد، وبع قليلك وكثيرك، وحبسه في خيمة، ثم انحدر إلى البشرود (1)، وأخذه معه، فلما فتح البشرود طلب الحارث، وسأله عن المسألة التي سأله عنها بمصر، فرد الجواب بعينه. قال: فما تقول في خروجنا؟ قال: أخبرني ابن القاسم، عن مالك، أن الرشيد كتب إليه يسأله عن قتالهم، فقال: إن كانوا خرجوا عن ظلم من السلطان فلا يحل قتالهم، وإن كانوا إنما شقوا العصا فقتالهم حلال. فقال: أنت تيس، ومالك أتيس منك، ارحل عن مصر. قال: يا أمير المؤمنين، إلى الثغور؟ قال: بل بمدينة السلام.
وروى داود بن أبي صالح الحراني، عن أبيه، قال: لما أحضر