سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٥٣
حتى قال له: في هذا الاسناد من لا يعمل عليه، ولا على ما يرويه، وهو قيس بن أبي حازم، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه. فقبل ابن أبي دواد عليا واعتنقه.
فلما كان الغد، وحضروا، قال ابن أبي دواد: يا أمير المؤمنين: يحتج في الرؤية بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس، وهو أعرابي بوال على عقبيه؟
قال: فقال أحمد بعد ذلك: فحين أطلع لي هذا، علمت أنه من عمل علي بن المديني، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه.
رواها المرزباني: أخبرني محمد بن يحيى، يعني: الصولي، حدثنا الحسين.
ثم قال الخطيب: أما ما حكي عن علي في هذا الخبر من أنه لا يعمل على ما يرويه قيس، فهو باطل. قد نزه الله عليا عن قول ذلك، لان أهل الأثر، وفيهم علي، مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة. وليس في التابعين من أدرك العشرة، وروى عنهم، غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة. إلى أن قال: فإن كان هذا محفوظا عن ابن فهم، فأحسب أن ابن أبي دواد، تكلم في قيس بما ذكر في الحديث، وعزا ذلك إلى ابن المديني. والله أعلم.
قلت: إن صحت الحكاية، فلعل عليا قال في قيس ما عنده عن يحيى القطان، أنه قال: هو منكر الحديث، ثم سمى له أحاديث استنكرها، فلم يصنع شيئا، بل هي ثابتة، فلا ينكر له التفرد في سعة ما روى، من ذلك حديث كلاب الحوأب (1)، وقد كاد قيس أن يكون صحابيا، أسلم في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم

(1) أخرجه أحمد 6 / 52 و 97، وابن حبان (1831)، والحاكم 3 / 120 من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب، سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لنا: " أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ " وإسناده صحيح. وقال الحافظ في " الفتح " 13 / 45 بعد أن ذكره: وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه ابن حبان والحاكم، وسنده على شرط الصحيح. وصححه أيضا المؤلف في ترجمته للسيدة عائشة في هذا الكتاب، والحافظ ابن كثير في " البداية ".
والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري فيما نقله عنه ياقوت في " معجم البلدان ". وقال أبو عبيد البكري في " معجم ما استعجم ": ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها، سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»