سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٥١٠
قلت: هذه دقة من الأعين، والذي ظهر من محمد أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن، وتسمى مسألة أفعال التالين، فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق.
وبهذا ندين الله تعالى، وبدعوا من خالف ذلك، وذهبت الجهمية والمعتزلة، والمأمون، وأحمد بن أبي دواد القاضي، وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق. وقالوا: الله خالق كل شئ، والقرآن شئ. وقالوا: تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم. وجرت محنة القرآن، وعظم البلاء، وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك، نسأل الله السلامة في الدين. ثم نشأت طائفة، فقالوا: كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون: تلفظهم وأصواتهم به، وكتابتهم له، ونحو ذلك، وهو حسين الكرابيسي، ومن تبعه، فأنكر ذلك الإمام أحمد، وأئمة الحديث، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم، وثبت عنه أن قال: اللفظية جهمية. وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وسد باب الخوض في هذا. وقال أيضا: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو جهمي. وقالت طائفة: القرآن محدث كداود الظاهري، ومن تبعه، فبدعهم الإمام أحمد، وأنكر ذلك، وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه من علم الله، وكفر من قال بخلقه، وبدع من قال بحدوثه، وبدع من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول: بأن القرآن قديم. ما تفوه أحد منهم بهذا. فقولنا: قديم:
من العبارات المحدثة المبتدعة. كما أن قولنا: هو محدث بدعة.
وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن.
(٥١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 505 506 507 508 509 510 511 512 513 515 516 ... » »»