سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٤٢٨
يجعلني مصدقا على حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففعل. وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم، ففعل. وسألته أن أخطب على منبر دمشق، ففعل. وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالا ففعل. قال: فقيل له:
كل شئ قد عرفناه، فألف دينار حلال من أين لك؟ فقال: وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا، يعني لما سكن دمشق، وبني له القصر بداريا. قال: ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات.
فجلست، فانكشف ذكري، فرآه الغلام، فقال: استتر يا عم. قلت:
رأيته؟ قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبدا إن شاء الله. قال: فلما دخل على المتوكل، ضحك. قال: فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم، احملوا إليه ألف دينار. فحملت إلي، فأتتني من غير مسألة، ولا استشراف نفس.
فهذه حكاية منقطعة. ولعلها جرت.
قال أبو بكر محمد بن سليمان الربعي: حدثنا محمد بن الفيض الغساني، سمعت هشام بن عمار، يقول: باع أبي (1) بيتا له بعشرين دينارا، وجهزني للحج. فلما صرت إلى المدينة، أتيت مجلس مالك، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها. فأتيته، وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم. فلما انقضى المجلس، قال لي بعض أصحاب الحديث: سل عن ما معك؟ فقلت له: يا أبا عبد الله، ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان، يا غلام، أحمله.
فحملني كما يحمل الصبي، وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي، فقال لي: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه

(1) في الأصل: " ابني " وهو خطأ.
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»