سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٠ - الصفحة ٢٥٩
قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: القعنبي أحب إليك في " الموطأ " أو إسماعيل بن أبي أويس؟ قال: بل القعنبي، لم أر أخشع منه (1).
وروى عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الواهي، عن الميموني: سمعت القعنبي يقول: اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة، ما من حديث في " الموطأ " إلا لو شئت قلت: سمعته مرارا (2).
وعن عبد الصمد بن الفضل: ما رأت عيناي مثل أربعة، فذكر منهم القعنبي (3).
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا حنبل، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا الفضل بن الحباب، حدثنا القعنبي، حدثنا شعبة، حدثنا منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأول: إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت " (4).

(1) " الجرح والتعديل " 5 / 181.
(2) " تهذيب الكمال " لوحة 742 وتتمته فيه: ولكني اقتصرت بقراءتي عليه لان مالكا كان يذهب إلى أن قراءة الرجل على العالم أثبت من قراءة العالم عليه.
(3) " تهذيب الكمال " لوحة 742.
(4) إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، ومنصور هو ابن المعتمر، وربعي هو ابن حراش، وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، وأخرجه أحمد 5 / 273، وأبو داود (4797) من طريق القعنبي بهذا الاسناد، وأخرجه البخاري 6 / 380 و 10 / 434 من طريق أحمد بن يونس، عن زهير، عن منصور به. وأخرجه أيضا 6 / 380، 381 من طريق آدم، عن شعبة. به. وأخرجه ابن ماجة (4183) من طريق عمرو بن رافع، عن جرير عن منصور، به. وأخرجه أحمد 4 / 121 من طريق روح، عن شعبة والثوري، عن منصور به، و 4 / 122 من طريق عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور به.
وكلمة " الأول " لم ترد عند البخاري، وهي عند أبي داود وأحمد وابن ماجة بلفظ " الأولى " قال الحافظ في " الفتح ": أي التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " - كما قال الحافظ ابن رجب - قولان:
أحدهما: أنه ليس بمعنى الامر أن يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان:
أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد، والمعنى: إذا لم يكن حياء فاعمل ما شئت، فالله يجازيك عليه، كقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).
والطريق الثاني: أنه أمر ومعناه الخبر، والمعنى أن من لم يستحي صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر وما يمتنع من مثله من له حياء، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فإن لفظه لفظ الامر، ومعناه الخبر، وأن من كذب عليه يتبوأ مقعده من النار. وهذا اختيار أبي عبيد القاسم بن سلام، وابن قتيبة، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم، وروى أبو داود عن الإمام أحمد ما يدل على مثل هذا القول.
والقول الثاني في معنى قوله: " إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ": أنه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر أمره، وأن المعنى: إذا كان الذي يريد فعله مما لا يستحى من فعله لا من الله ولا من الناس لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فاصنع منه حينئذ ما شئت. وهذا قول جماعة من الأئمة منهم إسحاق المروزي الشافعي، وحكي مثله عن الإمام أحمد.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»