سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٩ - الصفحة ٦١
والأموال صرنا إلى هذا؟ قال: يا بني دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.
مات يحيى مسجونا بالرقة سنة تسعين ومئة عن سبعين سنة.
فأما جعفر، فكان من ملاح زمانه، كان وسيما أبيض جميلا فصيحا مفوها، أديبا، عذب العبارة، حاتمي السخاء، وكان لعابا غارقا في لذات دنياه، ولي نيابة دمشق، فقدمها في سنة ثمانين ومئة، فكان يستخلف عليها، ويلازم هارون، وكان يقول: إذا أقبلت الدنيا عليك، فأعط، فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت، فأعط فإنها لا تبقى.
قال ابن جرير (1): هاجت العصبية بالشام، وتفاقم الامر، فاغتم الرشيد، فعقد لجعفر، وقال: إما أن تخرج أو أخرج، فسار فقتل فيهم، وهذبهم، ولم يدع لهم رمحا ولا قوسا، فهجم الامر (2)، واستخلف على دمشق عيسى بن المعلى، ورد (3).
قال الخطيب: كان جعفر عند الرشيد بحالة لم يشاركه فيها أحد، وجوده أشهر من أن يذكر، وكان من ذوي اللسن والبلاغة، يقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئا (4) منها عن موجب الفقه. كان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي

(1) في " تاريخه " 8 / 262.
(2) يقال: هجم الشئ: سكن وأطرق، قال ابن مقبل:
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة * يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا وفي " تاريخ الطبري " 8 / 262: فعادوا إلى الامن والطمأنينة، وأطفأ تلك النائرة (3) في " تاريخ الطبري " 8 / 263: واستخلف على الشام عيسى بن العكي، وانصرف.
(4) في تاريخ بغداد: فلم يخرج شئ منها.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»