سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٨ - الصفحة ٥٨
قال أحمد بن أبي خيثمة: حدثنا مصعب، قال: أخبرنا سفيان:
نرى هذا الحديث أنه هو مالك، وكان سفيان يسألني عن أخبار مالك.
قلت: قد كان لهذا العمري علم وفقه جيد وفضل، وكان قوالا بالحق، أمارا بالعرف، منعزلا عن الناس، وكان يحض مالكا إذا خلا به على الزهد، والانقطاع والعزلة، فرحمهما الله.
فصل ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في العلم، والفقه، والجلالة، والحفظ، فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب، والفقهاء السبعة (1)، والقاسم، وسالم، وعكرمة، ونافع، وطبقتهم، ثم زيد بن أسلم، وابن شهاب، وأبي الزناد، ويحيى بن سعيد، وصفوان بن سليم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطبقتهم، فلما تفانوا، اشتهر ذكر مالك بها، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وسليمان بن بلال، وفليح بن سليمان، والدراوردي، وأقرانهم، فكان مالك هو المقدم فيهم على الاطلاق، والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق، رحمه الله تعالى.
وقد وقع لي من عواليه (2) " موطأ " أبي مصعب (3). وفي الطريق

(1) الفقهاء السبعة نظم أسماءهم بعضهم بهذين البيتين.
إذا قيل من في الفقه سبعة أبحر * روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم * سعيد أبو بكر سليمان خارجة (2) العوالي: جمع علو، وطلب العلو في الاسناد سنة عمن سلف من هذه الأمة، ولهذا حرص العلماء على الرحلة إليها واستحبوها، وهو أنواع: منها كان قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما كان قريبا من إمام من أئمة الحديث كالأعمش وابن جريج ومالك وشعبة..، ومنها ما كان قريبا إلى كتاب من الكتب المعتمدة، المشهورة كالموطأ والكتب الستة والمسند، وأشرف أنواعه ما كان قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف خال من الضعف.
(3) هو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري العوفي، قاضي المدينة، وأحد شيوخ أهلها، لازم مالكا، وتفقه عليه، وروى عنه موطأه، وقد قالوا: إن موطأه آخر الموطآت، توفي سنة (242)، والموطأ بروايته لم يطبع، والبغوي في " شرح السنة " يكثر الرواية عنه، والمطبوع من الموطآت برواية يحيى بن يحيى المصمودي، ورواية محمد بن الحسن تلميذ الامام أبي حنيفة.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»