سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٤١٦
أنه رآه غيري، فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي (1).. وذكر الحديث.

(١) إسناده صحيح. وشيبان هو ابن فروخ الحبطي. وأخرجه أحمد: ١ / ٢٦، ومسلم:
(٢٨٧٣)، في الجنة، من ثلاث طرق، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس وتمامه: ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس، يقول:
" هذا مصرع فلان غدا - إن شاء الله - ". قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطؤوا، والحدود التي حد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فجعلوا في بئر، بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إليهم فقال: " يا فلان بن فلان!، ويا فلان بن فلان! هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا، فإني وجدت ما وعدني الله حقا ". قال عمر: يا رسول الله! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟
فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا على شيئا ".
وسماع هؤلاء خاص بهم، وهو معجزة من الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وزيادة حسرة على الكافرين.
فإن الموتى لا يسمعون، بنص القرآن الكريم في الآية: * (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) * [النمل: 80] قال ابن جرير في تفسيرها: هذا فعل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم. وقوله: * (ولا تسمع الصم الدعاء) *: يقول: كما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع إذا ولوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه لسماع ذلك وفهمه. ثم روى بإسناد صحيح عن قتادة، قال: هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر * (ولا تسمع الصم الدعاء) *. يقول: لو أن أصم ولى مدبرا، ثم ناديته، لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما سمع.
وممن نفى سماع الموتى كلام الاحياء: عائشة - رضي الله عنها - مستدلة بقوله تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى) * و: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * [فاطر: 22]، فقد أخرج البخاري:
7 / 236، في المغازي: أبا قتل أبي جهل، ومسلم: (932)، في الجنائز: باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ذكر عند عائشة - رضي الله عنها - أن ابن عمر يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله ". فقالت: وهل، (غلط) إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وأهله ليبكون عليه الآن "، وذلك مثل قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على القليب يوم بدر، وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال: " إنهم ليسمعون ما أقول "، وقد وهل، إنما قال: " إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق "، ثم قرأت:
* (إنك لا تسمع الموتى) * * (وما أنت بسمع من في القبور) *.
وقال الحفاظ ابن رجب: وقد وافق عائشة على ذلك طائفة من العلماء، ورجحه القاضي أبو يعلى بن أكابر أصحابنا، واحتجوا بما احتجت به عائشة، وأجابوا عن حديث قليب بدر بما أجابت به عائشة، ويشبه أن يكون ذلك معجزة مختصة للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره، وهو سماع الموتى لكلامه.
وفي " صحيح " البخاري: 7 / 235،: قال قتادة: أحياهم الله تعالى، يعني أهل القليب، حتى أسمعهم قوله - صلى الله عليه وسلم - توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما.
وقال ابن عطية: يشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسماعهم، لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين.
وانظر " فتح القدير ": 1 / 447، للكمال بن الهمام، فقد نقل أن الميت لا يسمع عند مشايخ الحنفية.
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»