سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٧٦
قال الوزير أبو عبيد الله: قال لي المنصور: ما كان أشياخك الشاميون يقولون؟ قلت: أدركتهم يقولون: إن الخليفة إذا استخلف، غفر له ما مضى من ذنوبه، فقال: إي والله، وما تأخر (1). أتدري ما الخليفة؟ به تقام الصلاة، والحج والجهاد [ويجاهد العدو قال: فعدد من مناقب الخليفة ما لم أسمع أحدا ذكر مثله، وقال: والله] (2) لو عرفت من حق الخلافة في دهر بني أمية ما أعرف اليوم، لأتيت الرجل منهم فبايعته، فقال ابنه: أفكان الوليد منهم؟
فقال: قبح الله الوليد. ومن أقعده خليفة! قال: أفكان مروان منهم؟ فقال: لله دره ما كان أحزمه وأسوسه، وأعفه عن الفئ. قال: فلم قتلتموه؟ قال: للامر الذي سبق في علم الله تعالى.
قال خليفة (3): سار مروان لحرب المسودة (4) في مئة وخمسين ألفا، حتى نزل بقرب الموصل، فالتقى هو وعبد الله بن علي عم المنصور، في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وثلاثين ومئة، فانكسر جمع مروان وفر، فاستولى عبد الله على الجزيرة. ثم طلب الشام، ففر مروان إلى فلسطين، فلما سمع بأخذ دمشق، سار إلى مصر وطلب الصعيد، ثم أدركوه وبيتوه ببوصير. فقاتل حتى قتل.
وعاش اثنتين وستين سنة. قتل في ذي الحجة سنة اثنتين. وانتهت خلافة بني أمية. وبويع السفاح قبل مقتل مروان الحمار بتسع أشهر.
ومن جبروت مروان، أن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري الأمير، كان قد

(1) غفران ما سلف من الذنوب لا يكون بالاستخلاف، وإنما يكون بالتوبة والإنابة، والعمل الصالح، ومتابعة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما غفران ما تأخر منها فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى النص.
(2) تاريخ الاسلام 5 / 299، والزيادة منه.
(3) تاريخ خليفة 403 - 404.
(4) هم العباسيون، وكان شعارهم السواد.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»