سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٣١٢
حميد عن جرير بن عبد الحميد: رأيت ابن أبي ليلى يخضب بالسواد.
قال العجلي: كان فقيها، صاحب سنة، صدوقا، جائز الحديث. وكان قارئا للقرآن، عالما به. قرأ عليه حمزة الزيات فكان يقول: إنا تعلمنا جودة القراءة عند ابن أبي ليلى. وكان من أحسب الناس، ومن أنقط الناس للمصحف، وأخطه بقلم. وكان جميلا نبيلا. وأول من استقضاء على الكوفة الأمير يوسف بن عمر الثقفي، عامل بني أمية فكان يرزقه في كل شهر مئة درهم.
قال أبو زرعة: هو صالح، ليس بأقوى ما يكون. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان سيئ الحفظ، شغل بالقضاء، فساء حفظه، لا يتهم، إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه، ولا يحتج به، هو وحجاج بن أرطاة ما أقربهما. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ردئ الحفظ، كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة.
ابن خراش: حدثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان، عن سعد بن الصلت، قال: كان ابن أبي ليلى لا يجيز قول من لا يشرب النبيذ (1). قلت: هذا غلو.

(1) معظم الكوفيين، ومنهم ابن أبي ليلى، يقولون بحلية نبيذ الحنطة، والتين، والشعير، والذرة، والعسل نقيعها ومطبوخها، وإنما يحرم عندهم المسكر منه، ويحد فيه إذا شرب الكثير فأسكره. وهو قول مجانب للصواب، مباين لما جاء عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث الصحيحة في هذا الباب. فقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1866)، وابن ماجة (3391) وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385)، وأخرج البخاري 8 / 50، ومسلم 3 / 1586، رقم الحديث (70) من حديث عائشة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " كل شراب أسكر فهو حرام " وفي " الموطأ " 2 / 845، والبخاري 10 / 35، ومسلم (2001) عنها رضي الله عنها أنها قالت:
سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن البتع فقال: " كل شراب أسكر حرام " والبتع: نبيذ العسل.
وروى البخاري 10 / 39 عن ابن عمر قال: خطب عمر رضي الله عنه، على منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل. والخمر ما خامر العقل " ففي هذه الأحاديث دليل واضح على بطلان قول من زعم أن الخمر إنما هي عصير العنب أو الرطب النئ الشديد منه، وعلى فساد قول من زعم ألا خمر إلا من العنب، أو الزبيب أو الرطب، أو التمر. بل كل مسكر خمر، وأن الخمر ما يخامر العقل. وتخصيص الأشياء الخمسة الواردة في أثر عمر بالذكر ليس لان الخمر لا تكون إلا منها، بل كل ما كان في معناها: من ذرة وسلت وغيرهما فحكمه حكمها. وتخصيصها بالذكر لكونها معهودة في ذلك الزمان. وفي قوله " ما أسكر كثيره فقليله حرام " دليل على أن التحريم في جنس المسكر، ولا يتوقف على السكر، بل الشربة الأولى منه، في التحريم ولزوم الحد مثل الشربة الأخيرة التي يحصل منها السكر، لان جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء. وفي " الموطأ " 2 / 842 بسند صحيح عن السائب بن يزيد، أن عمر قال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عم شرب، فإن كان يكسر جلدته، فجلده الحد تاما. وقال علي رضي الله عنه: لا أوتى بأحد شرب خمرا، ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد.
وأما النبيذ المباح، الذي ورد في الحديث الصحيح، فهو أن ينقع في الماء تمرات من الليل، ثم يشرب في الصباح، وسمي نبيذا لأنه ينبذ في الاناء: أي يطرح فيه. فالنبيذ المباح هو النقيع ما لم يشتد، فإذا اشتد وغلا حرم.
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»