سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٢١٧
ثم إن محمدا استشار أن يخندق على نفسه، فاختلف الآراء. ثم حفر خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفر فيه بيده.
عن عثمان الزبيري قال: اجتمع مع محمد جمع (1) لم أر أكثر منه. إني لأحسبنا كنا مائة ألف. فخطب محمد وقال: إن هذا قد قرب وقد حللتكم من بيعتي. قال: فتسللوا حتى بقي في شرذمة، وهرب الناس بذراريهم في الجبال.
فلم يتعرض عيسى لأذاهم. وراسل محمدا يدعوه إلى الطاعة. فقال: إياك أن يقتلك من يدعوك إلى الله، فتكون شر قتيل، أو تقتله فيكون أعظم لوزرك.
فبعث إليه: إن أبيت فإنا نقاتلك على ما قاتل عليه جدك طلحة والزبير على نكث البيعة، ثم أحاط عيسى بالمدينة في أثناء رمضان، ودعا محمدا إلى الطاعة ثلاثة أيام، ثم قرب من السور، فنادى بنفسه: يا أهل المدينة، إن الله قد حرم الدماء فهلموا إلى الأمان، وخلوا بيننا وبين هذا، فشتموه، فانصرف، وفعل ذلك من الغد، وزحف في اليوم الثالث، وظهر وكرر بذل الأمان لمحمد فأبى، وترجل، فقال بعضهم: إني لأحسبه قتل بيده سبعين يومئذ.
وقال عبد الحميد بن جعفر: كنا مع محمد في عدة أصحاب بدر، ثم تبارز جماعة، وأقبل رجل من جند المنصور، عند أحجار الزيت (2)، فطلب المبارزة، فخرج إليه رجل عليه قباء أصفر فقتل الجندي، ثم برز آخر فقتله، فاعتوره أصحاب عيسى حتى أثبتوه بالسهام، ودام القتال من بكرة إلى العصر. وطم أصحاب عيسى الخندق فجازت خيلهم.
قال عبد الله بن جعفر: تحنط محمد للموت. فقلت له: ما لك بما ترى طاقة.

(1) في الأصل " جمعا " وهو تحريف.
(2) موضع في المدينة، قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء.
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»