سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٨٦
والنواهي. فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابد العالم بالآثار المحمدية، المتجاوز لها مفضول مغرور، وأحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل. ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة، وجنبنا الهوى والمخالفة.
قال أحمد في " مسنده ": حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في أحد أصبعي سمنا، وفي الأخرى عسلا، فأنا ألعقهما، فلما أصبحت، ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " تقرأ الكتابين، التوراة والفرقان " فكان يقرأهما (1).
ابن لهيعة ضعيف الحديث، وهذا خبر منكر، ولا يشرع لاحد بعد نزول القرآن أن يقرأ التوراة ولا أن يحفظها، لكونها مبدلة محرفة منسوخة العمل، قد اختلط فيها الحق بالباطل، فلتجتنب. فأما النظر فيها للاعتبار وللرد على اليهود، فلا بأس بذلك للرجل العالم قليلا، والاعراض أولى (2).
فأما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله أن يقوم بالقرآن ليلة وبالتوراة ليلة، فكذب موضوع قبح الله من افتراه. وقيل: بل عبد الله هنا هو ابن

(1) أخرجه أحمد: 2 / 222، وهو في " تاريخ دمشق ": 228، و " حلية الأولياء ":
1 / 286.
(2) فقد روى أبو عبيد، وأحمد: 3 / 338 و 381 من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: " أمتهوكون (أمتحيرون) كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا، ما وسعه إلا اتباعي " وهو حديث حسن بشواهده. انظر " شرح السنة ": 1 / 270.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»