سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٣٢٨
إلى الآن، وأخذ كل شئ كان في أيدينا. فقال عيينة: لولا أنه يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم. فصعد إلي أربعة، فلما أسمعتهم الصوت، قلت: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع.
والذي أكرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني. فقال رجل منهم: إني أظن. فما برحت ثم، حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر (وإذا أولهم) الأخرم الأسدي، وأبو قتادة، والمقداد، فولى المشركون. فأنزل، فأخذت بعنان فرس الأخرم، لا آمن أن يقتطعوك، فاتئد حتى يلحقك المسلمون، فقال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، (وتعلم أن الجنة حق والنار حق)، فلا تحل بيني وبين الشهادة، فخليت عنان فرسه، ولحق بعبد الرحمن بن عيينة، فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم (بعبد الرحمن فرسه)، ثم قتله عبد الرحمن، وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين (فعقر بأبي قتادة)، فقتله أبو قتادة، وتحول على فرسه.
وخرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابنا شيئا، ويعرضون قبيل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له: " ذو قرد " (1)، فأبصروني أعدو وراءهم، فعطفوا عنه، وأسندوا في الثنية، وغربت الشمس، فالحق رجلا، فأرميه، فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع، واليوم

(1) ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر، قال البخاري في " صحيحه " 7 / 352: وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث. قال الحافظ:
كذا جزم به، ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم (1807) من طريقه، قال: فرجعنا، أي: من الغزوة إلى المدينة، فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر، وأما ابن سعد، فقال: 2 / 80: كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل في جمادى الأولى، وعن ابن إسحاق: في شعبان منها.
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»