سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٦٢٠
يتزوج بها آخر ثم بعد الدخول فارقها، فتزوجها الأول. هل تبقى عنده على طلقتين كما هو قول عمر وغيره من الصحابة ومالك والشافعي، وأحمد في المشهور عنه أو تلغى تلك التطليقة، وتكون عنده على الثلاث، كما هو قول ابن عباس وابن عمر وأبي حنيفة، ورواية عن عمر، بناء على أن إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث، كما هدمت إصابته لها الثلاث.
فالأول مبني على أن إصابة الزوج الثاني، إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثلاث; فهو الذي يرتفع، والمطلقة دون الثلاث لم تحرم، فلا ترفع الإصابة منها شيئا. وبهذا أفتى أبو هريرة. فقال له عمر: لو أفتيت بغيره، لأوجعتك ضربا.
وكذلك أفتى أبو هريرة في دقاق المسائل مع مثل ابن عباس، وقد عمل الصحابة فمن بعدهم بحديث أبي هريرة في مسائل كثيرة تخالف القياس، كما عملوا كلهم بحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا تنكح المرأة على عمتا، ولا خالتها " (1).
وعمل أبو حنيفة والشافعي وغيرهما بحديثه: " أن من أكل ناسيا، فليتم صومه " (2). مع أن القياس عند أبي حنيفة: أنه يفطر، فترك القياس لخبر أبي هريرة.

(1) أخرجه مالك 2 / 532 في النكاح: باب ما لا يجمع بينه من النساء، والبخاري 9 / 138 و 139 في النكاح: باب لا تنكح المرأة على عمتها، ومسلم (1408) في النكاح: باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح.
(2) أخرجه البخاري 4 / 134، 135 في الصوم: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، ومسلم (1155) في الصيام: باب أكل الناسي وشبه وجماعه لا يفطر، من طريق هشام القردوسي، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعه الله وسقاه "، وأخرجه الترمذي (721)، وأبو داود (2398)، وأخرج الدارقطني ص 237، والحاكم 1 / 430، والبيهقي 4 / 229 من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أفطر في رمضان ناسيا، فلا قضاء عليه ولا كفارة " وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (906).
(٦٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 615 616 617 618 619 620 621 622 623 624 625 ... » »»