وكانت أمي لها غنى، فأسلمتني إلى الكتاب، وكنت أنطلق مع غلمان من أهل قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب شعر، ونعلاه شعر، فأشار إلي، فدنوت منه. فقال: يا غلام! أتعرف عيسى ابن مريم؟ قلت: لا. قال: هو رسول الله. آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيم لا يفنى. فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي وفارقت أصحابي، وجعلت لا أذهب ولا أجئ إلا وحدي. وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فانقطع دونه، فعلمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن عيسى رسول الله، ومحمدا بعده رسول الله، والايمان بالبعث، وعلمني القيام في الصلاة، وكان يقول لي: إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة، فاحتوشتك النار، فلا تلتفت، وإن دعتك أمك و أبوك، فلا تلتفت، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وأنت في فريضة، فاقطعها، فإنه لا يدعوك إلا بوحي. وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول القنوت أمان على الصراط، وطول السجود أمان من عذاب القبر، وقال: لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله، ولا تعصين (1) الله في طمع ولا غضب، لا تحجب عن الجنة طرفة عين.
ثم قال لي: إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني، فإنه بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام