سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٤٣١
هشام، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا (1) رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لها:
ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا له هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا، فقد ما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند خير جار. فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، وقالا له: إنه قد ضوي (2) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا (3) وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهم: نعم. ثم إنهما قربا هدايا النجاشي، فقبلها منهم، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك إنه ضوي إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا

(1) سقطت لفظة " فينا " من المطبوع.
(2) وقال السهيلي في " الروض الأنف ": ضوي إليك فتية: أي أووا إليك ولا ذوا بك.
(3) قال السهيلي: أي: أبصر بهم، أي: عينهم وإبصارهم فوق عيون غيرهم في أمرهم.
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»