عمه، فقالوا له: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنا قد خفنا على أنفسنا منه. قال: ويلكم! قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم! بل أخرجوه من بلادكم. فخرجوا به، فباعوه من رجل تاجر بست مئة درهم، ثم قذفه في سفينة، فانطلق به حتى إذا المساء من ذلك اليوم، هاجت سحابة من سحاب الخريف، فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته.
ففزعت الحبشة إلى ولده. فإذا هم حمقى ليس في ولده خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض:
تعلمون والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره الذي بعتموه غدوة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة، فأدركوه، قال: فخرجوا في طلبه. حتى أدركوه فأخذوه من التاجر، ثم جاؤوا به، فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير الملك، وملكوه. فجاءهم التاجر، فقال: إما أن تعطوني مالي، وإما أن أكلمه في ذلك، فقالوا: لا نعطيك شيئا، قال إذن والله لأكلمنه، قالوا: فدونك، فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك! ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم، فأسلموه إلي، وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي. فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه، أو ليسلمن غلامه في يديه، فليذهبن به حيث يشاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه. وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه، ثم قالت: لما مات النجاشي، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور (1).
" المسند " لأحمد بن حنبل: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن