فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته.
قال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 ه: " لم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة (1) النقلة بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات. وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده (2).
إن هذه البراعة في علم الحديث، والتمكن منه ذاك التمكن، جعلت الذهبي ينطلق بعد ذلك يجرح، ويعدل، ويفرع، ويصحح، ويعلل، ويستدرك على كبار العلماء (3)، " فدخل في كل باب من أبوابه " على حد تعبير تلميذه تاج الدين السبكي (4)، حتى أطلق عليه معاصروه " محدث العصر (5) ".
وبلغ اعتراف حافظ عصره الإمام ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه بفضل الذهبي وبراعته إلى درجة أنه شرب ماء زمزم سائلا الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ وفطنته (6).