ولعل مما يميز الذهبي عن غيره من بعض مؤلفي كتب الرجال والتراجم أنه لم يقتصر في تأليفه على عصر معين، أو فئة معينة، أو تنظيم معين، بل تناولت مؤلفاته رجال الاسلام من أول ظهوره حتى عصره، بله المعاصرين له.
وهو في كتابته للترجمة فنان تراجمي ملئ بفن التراجم يجد الباحث فيها دقة متناهية في التعبير، وحبكا للترجمة تشد القارئ إليها مع تعدد الموارد وانتقاء لأفضلها وإبداء لآرائه الشخصية فيها (1).
وقد عانى الذهبي كتابة " السيرة " وهو فن خاص له مميزاته التي تجعله يختلف عن كتابة " الترجمة " المجردة، فكتب في سير الخلفاء الراشدين، وأئمة الفقه، والحديث، وغيرهم (2).
ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي الذي انتقده في بعض المواضع إلى القول: " إنه كان شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يعبر عنها إخبار من حضرها (3) ". وقد ازداد شأنه بعد عصره بحيث اعتبر هو والمزي مؤرخي القرن الثامن اللذين لا ينافسهما أحد (4)، وعده الامام السيوطي المتوفى سنة 911 ه رأس طبقة ذكر فيها القطب الحلبي المتوفى سنة 735 ه وابن سيد الناس المتوفى سنة 734 ه وشمس الدين المقدسي المتوفى سنة 744 ه