أصبح الكتاب مصورا لجوانب كثيرة من الحركة الفكرية وتطورها عبر سبع مئة سنة، لان الانسان هو العنصر الحاسم في هذه الحركة، وبه تتحدد مميزاتها وسماتها، ويؤثر تكوينه الفكري على تطورها سلبا أو إيجابا.
أهميته في دارسة المجتمع:
ولما كان الكتاب قد اقتصر على التراجم، فإنه أشار إلى اتجاه الذهبي وجملة كبيرة من المؤرخين المسلمين نحو تخليد المبرزين في المجتمع، ولذا فهو في غاية الأهمية لدراسة أحوال المجتمع الاسلامي، ومنها الأصول الاجتماعية والاقتصادية لمن عرفوا في التاريخ الاسلامي باسم " العلماء ".
ودراسة مثل هذه الكتب تشير إلى انعدام الطبقية بين المتعلمين، وأن تقدير الانسان إنما يكون وفق مقاييس راقية أبرزها علمه ومعرفته ودرايته التي تجعله في مكانة بارزة بين الناس، وهي موازين على غاية من الرقي الانساني. وقد جربنا المؤلف وهو يمدح فقيرا ويذم غنيا، ويثني على عبد أسود، ويتكلم في سيد كبير. وقد أبانت دراستنا لهذا الكتاب أن الغالبية العظمى من هؤلاء " العلماء " قد ظهرت من بين عوائل الحرفيين والمغمورين والمعدمين، تدل على ذلك انتساباتهم التي ذكرها المؤلف، وهو أمر أتاحه الاسلام لكل متعلم حينما جعل طلب العلم من الضرورات، وحض عليه في غير ما مناسبة، كما تميزت الدراسات بحرية التفكير والابداع، وكانت متوفرة لكل واحد يطلبها متى أراد ومن غير كلفة، لأنها كانت في الأغلب في بيوت الله، من مساجد وجوامع مما يستطيع كل مسلم دخولها، والإفادة من الدروس التي تلقى فيها.
نقول هذا في الوقت الذي اقتصرت فيه النواحي العلمية ومحتويات كتب التراجم عند كثير من الأمم ومنهم الأوربيون في هذه الأعصر على فئات معينة من الناس.