فما عادت هناك من حاجة إليه، وأن فائدته قد انقطعت منذ مطلع القرن الرابع الهجري (1)، كما أخذ عليه بعضهم نقده لغير الرواة واعتبروا أن ذلك لا فائدة فيه وأنه محض غيبة (2).
وقد أثارت هذه القضية نقاشا بين العلماء فيما بعد، ولا حظنا أن العلماء المسلمين، ومنهم السخاوي، قد سوغوا استعمال النقد في غير مجال الرواة بالفائدة المتوخاة منه للنصيحة ودفع الضرر (3). لكننا لاحظنا في هذا التفسير سذاجة، وآية ذلك أنه قد يصح في حالة نقد المعاصرين من غير الرواة، فكيف نفسر نقد الرواة المتأخرين، وكيف نفسر استمرار الذهبي وغيره في نقد السابقين وتأليف الكتب الخاصة بالجرح والتعديل إن كانوا يعتقدون بانقطاع الفائدة؟
الحق أن مثل هذا الامر لا يفسر بالسذاجة التي ناقشوها، فإن هناك عوامل أكثر عمقا دفعت الامام الذهبي إلى مثل هذه العناية لعل من أبرزها:
أ استمرار العناية بالرواية في العصور التالية لظهور دواوين الاسلام في الحديث، وبعض المجاميع الحديثية الأخرى، بل ازدادوا عناية بها تقليدا للسابقين من جهة، وتدينا وحبا بالحديث من جهة أخرى، ولأنها صارت جزءا من الحركة التعليمية والفكرية عند المسلمين من جهة ثالثة. وهذا يعني استمرار الاسناد ومن ثم ضرورة استمرار النقد في كل عصر لتبيان أحوال الرواة. ومع أن الامام الذهبي ركز في كتابه " الميزان " على الرواة القدماء،