الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ١٦٩
2: 18: " قال محمد بن سلام: قال يونس بن حبيب: ما جاء عن أحد من روائع الكلام ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
فحكى الإمام السهيلي - مع الإقرار والتسليم - تعقب غيره لهذا القول في كتابه " الروض الأنف " 4:
138 فقال: " قال الجاحظ في كتاب " البيان " عن يونس بن حبيب: لم يبلغنا من روائع الكلام ما بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وغلط في هذا الحديث ونسب إلى التصحيف، وإنما قال القائل: ما بلغنا عن البتي. يريد:
عثمان البتي، فصحفه الجاحظ، قالوا: والنبي صلى الله عليه وسلم أجل من أن يخلط مع غيره من الفصحاء حتى يقال: ما بلغنا عنه من الفصاحة أكثر من الذي بلغنا عن غيره، كلامه أجل من ذلك وأعلى. صلوات الله عليه وسلامه ".
وأقول: هذا المعنى - من حيث هو - صحيح ولا ريب، ولكن الجزم بنسبة الجاحظ إلى التصحيف والغط يتوقف على معرفة أن عثمان البتي البصري المتوفى سنة 143 كان من أئمة الفصاحة والحكمة والأقوال المأثورة، بحيث إن يونس بن حبيب - الإمام العلم في العربية واللسان - يقول فيه هذه الكلمة وهو يعلم ا وراءها، ومن يغمط حقه بسببها! وهو يعلم أيضا أن الكوفة والبصرة عش أرباب روائع الكلام!.
وقد علق معلق على حاشية مخطوطته من " البيان والتبين " خلاصة كلام السهيلي ولم ينسبه إليه، وزاد عليه الجزم بأن البتي " كان من الفصحاء "! (1). وعلى كل حال: فإن ثبت تصحيف الجاحظ ذلك فيكون هذا من التصحيف المركب، كالتصحيف الذي قبله.
وقد حصل تصحيف البتي إلى: النبي - مع إضافة " صلى الله عليه وسلم " إليه - لأحد الرواة الثقات: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، فقد جزم بذلك الإمام أحمد في قصة ساقها الخطيب في " تاريخه " 2: 80 فلتنظر هناك، فهي مثال على التصحيف المركب أيضا.
ومنه أيضا تلك الكلمة المنكرة في لفظها وفي نسبتها إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه: " لو أدركني رسول الله - أو النبي صلى الله عليه وسلم - وأدركته: لأخذ بكثير من قولي "!! أسند هذا إليه الخطيب 13: 378، 390، فتعقبه العلامة الكوثري رحمه الله في " التأنيب " ص 75، 87 وأنها: لو أدركني البتي.
هذا، وقد قال الإمام أحمد - وحسبك به -: " ومن يعرى عن الخطأ والتصحيف! ".
ومما هو على خطر الوقوع في الغلط أيضا - والشيء بالشيء يذكر -: الاعتماد على الكتب المرتبة على غير ترتيب مؤلفيها، يقصد بترتيبها تيسير الاستفادة منها.
1 " - قال الذهبي في " الميزان " 3 (5710، 5711): " عكرمة بن خالد بن سلمة المخزومي، عن أبيه، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف...، فأما: عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي: فمكي معروف، ثقة، من مشيخة ابن جريج، أخطأ ابن حزم في تضعيفه - " المحلى " 7: 303 - وذلك أن أبا محمد - ابن حزم - فيما حكاه ابن القطان، كان وقع إليه كتاب الساجي في الرجال، فاختصره ورتبه على الحروف، فزلق في هذا الرجل بالذي قبله، ولم يتفطن لذلك. وهذا الرجل وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي ".
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست