الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ١٥٦
ثم في مصادر المزي: " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، و " الضعفاء " للعقيلي، و " الكامل " لابن عدي، و " طبقات " ابن سعد، و " التاريخ الكبير " للبخاري...
ثم في مصادر هذه المصادر، أعني: الثلاثة الأولى، فابن أبي حاتم إنه نقل عن أبيه وأبي زرعة، فهو المصدر الأول والوحيد لذلك النقل، لأنه ينقل عنهما مباشرة دون واسطة، لكنه كثيرا ما ينقل عن الإمام يحيى بن معين، من روايات متعددة عنه: رواية الدوري، والدارمي، وإسحاق بن منصور، وابن أبي خيثمة..، فكنت أرجع إلى المطبوع منها، وأعزو إليه، ولا أكتفي بالنقل عنه بواسطة.
وكثيرا ما ينقل أيضا عن الإمام أحمد من رواية ابنه عبد الله وغيره - عنه، فلا أكتفي إلا بمراجعة أصوله، ما دامت تصل يدي إليها.
فإن لم أستطع ذلك - وكانت لدي شبهة في صحة اللفظ المنقول - كنت أرجع إلى مؤيدات أخرى، لأرى التوارد على هذا اللفظ، أو أنه روي سواه، فكنت أرجع مثلا إلى " تاريخ بغداد " وغيره من الكتب التي تعنى بذلك.
وهكذا الشأن فيما ينقله العقيل وابن عدي، فإنهما يعنيان بالرواية عن البخاري، وابن معين، وأحمد، وابن المديني، فلا أسوغ لنفسي الأخذ عنهما ما دمت قادرا على الرجوع إلى المصدر الأول لهما، لما تبين لي من ضرورة الأخذ بهذا المنهج.
وخلاصة ذلك:، أني كنت أعتبر الكتب التي تجمع الأقوال في الرجال: مفاتيح تدلني على المصادر الأصلية، فأرجع إليها، ولا أعتبرها مصادر مستقلة إلا إذا لم يتيسر لي الوصول إلى مصادرها.
لقد كشف هذا المنهج عن حقائق، وزيف دخائل، وصوب أخطاء، وصحح أغلاطا، ونبه إلى تحريفات، وأيقظ إلى تصويبات: الشئ الكثير، والحمد لله رب العالمين.
ومع أنه جعلني أنفض يدي - أكثر من ذي قبل - من الثقة بالكتب المطبوعة في علم الرجال إلا ما ندر:
فإنه حملني على ضرورة التثبت من كل نقل عن قائله، ومن النظر في لفظه المنقول عنه، ومدى تطابقه مع المراد، وذلك بدراسة قرائنه وملابساته، فقد يكون النقل متطابقا، لكنه يكون في مصدره المنقول عنه قرينة وملابسة تعين مرادا آخر منه. وأكثر ما يقع هذا في النقل عن الإمام البخاري رحمه الله.
وكنت أحيانا أستغرق ساعات عديدة في دراسة ترجمة واحدة، ونتيجة تسلسلي مع المصادر والأمهات، ودخولي في متاهات بنيات الطريق المعترضة، أعني تلك التحريفات المطبعية الكثيرة جدا الواقعة في كتب الرجال، فمن تصحيح تحريف، إلى تصحيح تحريف آخر في كتب غيره، إلى تصحيح ثالث في مصدر ثالث.
وقد يتوارد ناشرو هذه الكتب على تحريف واحد، فيصير لدى آخرين هو الصوب، وغيره هو الخطأ!.
وقد يقع خطأ في كتاب، فيرتب عليه محقق كتاب آخر خطأ آخر، فيتعذر كشف الخطأ الأول أكثر مما لو بقي على حاله.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست