فقام إليه بعضنا، فقال له: إنا نراك منذ اليوم. ألك حاجة، تستعين بنا على حاجتك؟ قال: فقال: لي غلام نساج، كان يغل علينا، وقد زاغ منذ أيام. قال: فقالوا صف لنا غلامك، وصف لنا موضعك.
فقال: أما أنا فأعلم الصبيان بالكلاء (1)، وأما غلامي، فغلام من صفته كذا وكذا، إحدى عينيه ذاهبة. قال: فرجعنا إليه فقلنا له: كما قلت. ولكن كيف علمت أنه معلم صبيان؟ قال: رأيته جاء فجعل يطلب موضعا يجلس فيه، فعلمت أنه يطلب عادته، في الجلوس، فنظر إلى أرفع شئ يقدر عليه، فجلس عليه، فنظرت في قدره، فإذا ليس قدره قدر الملوك، فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك، فلم أجدهم إلا المعلمين، فعلمت أنه معلم صبيان.
فقلنا: كيف علمت أنه أبق له غلام أعور؟ قال: إني رأيته يترصد الطريق، فبينما هو كذلك، إذ نزل فاستقبل رجلا قد ذهبت إحدى عينيه، فعلمت أنه شبهه بغلامه.
وقال سليمان بن أبي شيخ، عن الحارث بن مرة: نظر إياس بن معاوية إلى رجل، فقال: هذا غريب، وهو من أهل واسط، وهو معلم، وهو يطلب عبدا له أبق، فوجدوا الامر على ما قال. فقيل له، فقال: رأيته يمشي ويلتفت، فعلمت أنه غريب، ورأيته على ثوبه حمرة تربة واسط، فعلمت أنه من أهلها، ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم، ولا يسلم على الرجال. فعلمت أنه معلم، ورأيته إذا مر بذي هيأة لم يلتفت إليه، وإذا مر بذي أسمال، تأمله، فعلمت أنه يطلب آبقا.