الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي - ابن النجار البغدادي - الصفحة ٦٧
مذهب أبي حنيفة وذلك لأن الكوفة حينئذ لم تخل من النصارى واليهود والمجوس ولم يذكرهم ولا أنف منهم، وأظن أنه كان يحب الخمر ويختارها على ما سواها، فأراد أن تكون في رباع الكوفة ليسهل مطلبها ولا يكون فيها مثل أبي حنيفة يبين خطأه ويفقه الناس، وهذا معروف عند الناس أنه من استقضى في بلدة وكان فيها من هو أفقه منه لا يريد مجاورته لأنه كلما أخطأ بين خطأه للناس.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى حماد بن زيد يقول: سمعت أيوب - وذكر أبا حنيفة - فقال: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) هذا يدل على قلة فهم الخطيب لأن إتمام نور الله إنما هو بقاء العلم وقد رأينا مذاهب جماعة من أهل الرأي قد ذهب واضمحلت ومذهب أبي حنيفة باق وكلما قدم يزيد، والناس الآن مطبقون على أن أصحاب السنة والجماعة هو أهل المذاهب الأربعة مثل أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
والخطيب لم يكن قريبا من عصر أبي حنيفة ولا معاصرا له بل كان بينهما ثلثمائة وعشر سنين وقد رأى أن مذهب أيوب تلاشى ومذهب أبي حنيفة باق ومع هذا لم يرجع عنه، بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حبك الشئ يعمى ويصم) فمن لم يفهم إلى أن وضع المدح موضع الذم ما كان ينبغي أن يتحدث في مثل هذا. ونحن نقول إن أيوب ما أراد بتلاوة هذه الآية عند ذكر الإمام أبي حنيفة إلا مدح أبي حنيفة والدليل عليه أن كل من تحدث في مذهب أبي حنيفة درس مذهبه حتى لا يعرف، ومذهب أبي حنيفة باق قد ملأ الأرض وأكثر الناس عليه.
وبإسناده عن الحيري إلى سلام بن أبي مطيع قال كان أيوب قاعدا في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه قال لأصحابه: قوموا لا يعرنا بجربه. قوموا فقاموا فتفرقوا. وأي شئ في هذا مما ينقص به أبو حنيفة، فكونهم قاموا وتفرقوا لا يدل على معيبة في كلام أبي حنيفة ولا في رأيه. ولقائل أن يقول ربما أراد بقيامه أن لا يناظره فيقطعه قدام تلامذته، ثم إنه لم يبين الجرب الذي يعرهم به أي شئ هو؟ حتى يجاب عنه. ثم أيضا إن الله تعالى بين إتمام نوره بأن مذهب أيوب قد اضمحل وبقى مذهب أبي حنيفة بحيث لا يعرف اليوم أن أيوب كان صاحب مذهب إلا القليل من الناس.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى الأسود بن عامر عن شريك أنه قال: إنما كان أبو
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»