الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي - ابن النجار البغدادي - الصفحة ١٠٣
فرجعت إلى سفيان. فقلت له إنه قائل، قال اذهب فصح به إن فتان هذه الأمة قد مات.
قلت: (يعنى الخطيب) أراد الثوري أن يغم إبراهيم بوفاة أبي حنيفة لأنه كان على مذهبه في الأرجاء.
هذا غير صحيح لأن أصحاب أبي حنيفة كلهم على غير ذلك وإذا جمع الناس على أمر وخالفهم واحد لم يلتفت إلى قوله ولم يصدق في دعواه، حتى أن الصلاة عند أصحاب أبي حنيفة خلف المرجئة لا تجوز.
وحدث عن ابن الفضل إلى علي بن المديني قال: قال لي بشر بن أبي الأزهر النيسابور رأيت في المنام جنازة عليها ثوب أسود وحولها قسيسين، فقلت جنازة من هذه؟ فقالوا: جنازة أبي حنيفة، حدثت به أبا يوسف فقال لا تحدث به أحدا.
قد علمت وفقك الله بما تقدم من هذه الأقوال تعصب الخطيب وما ذكرت فيه في نفسه وإن مثله لا يقبل قوله إذا روى عمن يقول في اليقظة فكيف بالرواية عمن يقول إنه رأى في المنام، ولكني أجيب عن ذلك أيضا لأن لكل كلام جوابا وقد يكون الكلام خطأ ويسمى كلاما، وأنا أذكر الجواب من الكتاب والسنة وإن كنت قد ذكرته فيما تقدم. أما الكتاب العزيز فقوله تعالى: (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) فلم يكن ذلك في اليقظة وإنما كان أخوته النجوم وأباه وخالته القمران، هذا مع كونه نبي ابن نبي وقوله: (إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) فأولت البقر بالسنين وأين هذا من هذا، وقوله عز وجل: (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) وأجمع المفسرون على أن هذه الرؤيا ما كانت وأنهما افتعلاها كذبا ولما أولها يوسف الصديق لم يؤولها على ظاهر لفظها بل أول العاصر على أنه يسقى ربه خمرا ولم يكن للسقي ولا لرب الرائي ذكر في الرؤيا، وأول لحامل الخبز أنه يصلب فتأكل الطير من رأسه وأين هذا من هذا لولا التأويل، فإن كان راوي هذه الرؤيا صادقا فيما زعم فالتأويل على ضد ما روى، وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم رويت عنه تأويلات كثيرة على خلاف ظاهر لفظ الرؤيا، وكان إذا أصبح يقول (من رأى منكم الليلة رؤيا) ثم يؤوله أو يقول لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ما ترى فيه ولا يتوقف على أن يحمله على ظاهره وكان
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»