إلى قدم وهي في بردتين لها قد اتزرت بواحدة وتدرعت الأخرى فرأى شيئا لم ير مثله فقال لمولى له انطلق إلى هذا الأعرابي فاخطب علي ابنته وأعطه ما سأل فزوجها إياه على مائة من الإبل وأهديت إليه في البردتين كما رآها فلم يزدد إلا سرورا فكانت تسامره وتنشده أشعار قومها وتفتخر فلما أغاظته قال أنسيت البردتين فأعرضت عنه طويلا ثم أنشأت تقول:
أخالد مهلا لا يعير (1) بالفقر * فكم من فتى نذل (2) الخليقة (3) ذي وفر وآخر محمود الخليقة معوز * من المال لا يزري به لازم الفقر ومن ذات بعل في حلي مظاهر * وترفل في بز العراق وفي العطر (4) مذممة الأخلاق والغدر همة * وإن مزجت منها البشاشة بالبشر حصان لها خلق ودل مبتل * هضيم الحشاء حوراء آلفة الخدر.
فلما قدم الشام تلقاه عبد الملك بن مروان فسأله عن سفره فأخبره وحدثه بحديث الأعرابية وبردتيها فانصرف عبد الملك إلى نسائه فحدثهن بذلك فقلن يا أمير المؤمنين أن لو بعثت إلى بردتيها حتى ننظر إليهما فسرح رسولا فلما أتى خالدا (5) الرسول فقال (6):
ما كنت لأفعل حتى أوجه إليه بأبيات فإن استحسن أن ينظر إليهما فهو أعلم فسرحت إليه:
يا بن الذوائب من أمية والذي * أفضت إليه خلافة الجبار فيم استفزك خالد بحديثه * حتى هممت بأن ترى أطماري (7) مهلا أمير المؤمنين فما الذي * أحببت من ذاكم علي بعار فلئن رأيت سحيق شملي باليا * إني لمن قوم ذوي أخطار صبر على ريب الزمان أعزة * لا يخفرون بذمة وجوار