القلم وحتم وذرأ (1) وبرأ وحكم وقضى ضرب (2) الكلام باللغات المختلفة على المعاني المتفرقة آلفها بالتقديم والتأخير والأشباه والمناكير (3) والموافقة والتزايد وأدته الآذان إلى القلوب بالأفهام وأدته الألسن بالبيان فاستدل به على العلم وعبد به الرب وأبرم الأمر وعرفت به الأقدار وتمت به النعمة فكان من قضاء الله ومشيئته أن قربت زيادا وجعلت له من أبي سفيان نسبا ثم وليته أحكام العباد بسفك الدماء بغير حلها ولا حقها ويهتك الحريم بلا مراقبة لله فيها خؤون ظلوم غشوم يتخير من المعاصي أعظمها لا يرى لله وقارا ولا يظن أن له معادا وغدا يعرض عمله عليك في صحيفتك وتوقف (4) على ما اجترم بين يدي ربك ولك يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة وبينك وبينه صهر وقرابة فلا الماضين من أئمة الهدى اتبعت ولا طريقهم سلكت حملت عبد ثقيف (5) على رقاب أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) يدبر أمورهم ويسفك دماءهم فماذا تقول لربك وقد مضى من أجلك أكثره وذهب خيره وبقي وزره؟ إني امرأة من بني ذكوان وثب زياد الدعي إلى أبي سفيان على ضيعتي وتركتي على أبي وأمي فغصبنيها وحال بيني وبينها وقتل من نازعه فيها من رجالي فأتيتك مستصرخة فإن أنصفت وعدلت وإلا وكلتك وزيادا إلى الله فلن يبطل ظلامتي (6) عندك وعنده والمنتصف بيننا وبينكم (7) حكم عدل فبهت معاوية ينظر إليها متعجبا من كلامها ثم قال ما لزياد لعن الله زيادا فإنه لا يزال يبعث على مثالبه من ينشرها وعلى مساوئه من يثيرها؟
ثم أمر كاتبه بالكتاب إلى زياد يأمره بالخروج من حقها وإلا صرفه مذموما مدحورا ثم أمر لها معاوية بعشرة آلاف درهم وعجب هو وجميع من كان حوله من مقالتها وبلوغها حاجتها.