فيها دون صورة الملكية التي هو (1) مجبول الخلقة عليها ومثل هذه الأمور مما تعلل به طباع البشر وتطيب به نفوسهم في المكروه الذي هو واقع بهم فإنه لا شئ أشفى للنفس من الانتقام ممن يكيدها ويريدها بسوء وقد كان من طبع موسى فيما دل على آي من القرآن حمأ وحدة وقد قص علينا الكتاب ما كان من وكزه القبطي الذي قضى عليه وما كان من غضبه من إلقائه الألواح وأخذه برأس أخيه يجره إليه وقد روي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا وقد جرت سنة الدين بحفظ النفس ودفع الضرر والضيم عنها ومن شريعة نبينا (صلى الله عليه وسلم) ما سنه فيمن اطلع على محرم قوم من عقوبته في عينه فقال من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه ولما نظر نبي الله موسى إلى صورة بشرية هجمت عليه من غير إذن تريد نفسه وتقصد هلاكه وهو لا يثبته معرفة ولا يستيقن أنه ملك الموت ورسول رب العالمين فيما يراوده منه عمد إلى دفعه عن نفسه بيده وبطشه فكان في ذلك ذهاب عينه فقد امتحن غير واحد من الأنبياء صلوات الله عليهم بدخول الملائكة عليهم في صورة البشر كدخول الملكين على داود في صورة الخصمين لما أراد الله من تقريعه إياه بذنبه وتنبيهه على ما لم يرتضه من فعله وكدخولهم على إبراهيم حين أرادوا إهلاك قوم لوط فقال " قوم منكرون " (2) وقال " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة " (3) وكان نبينا صلوات الله عليه أول ما بدئ بالوحي يأتيه الملك فيلتبس عليه أمره ولما جاءه جبريل في صورة رجل فسأله عن الإيمان لم يتبينه فلما انصرف عنه تبين أمره فقال هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم وكذلك كان أمر موسى فيما جرى من مناوشته ملك الموت وهو يراه بشرا فلما عاد الملك إلى ربه مستثبتا أمره فيما جرى عليه رد الله عليه عينه وأعاده رسولا إليه بالقول المذكور في الخبر الذي رويناه ليعلم نبي الله صلوات الله عليه إذا رأى صحة عينه المفقوءة وعود بصره الذاهب أنه رسول الله بعثه لقبض روحه فاستسلم حينئذ لأمره وطاب نفسا بقضائه وكل ذلك رفق من الله به ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه والانقياد لمورد قضائه قال وما أشبه معنى قوله ما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره
(١٨٠)