وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى علي جبل سلع (1) يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج وآذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب يبشروننا وذهب قبل قبل صاحبي يبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فسكوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أؤم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تلقاني الناس فوجا فوجا فهنؤوني بالتوبة يقولون لي ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس في المسجد حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلا رجل من المهاجرين غيره قال فكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يبرق وجهه من السرور قال أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت من عندك يا رسول أم من عند الله قال لا بل من عند لله قال وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة فمر حتى يعرف ذلك منه قال فلما جلست بين يديه قال قلت يا رسول الله إن من توبني أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمسك بعض مالك فهو خير لك قال فقلت إنس أمسك سهمي الذي بخيبر قال قلت يا رسول الله إنما الله نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت قال فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحسن مما أبلاني الله والله ما تعمدت كذبه منذ قلت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني فيما بقي قال وأنزل الله " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " (2) قال كعب فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يومئذ ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد
(٢٠٠)